18 اكتوبر 2022م
العنوان أعلاه هو نهاية أغنية خليل فرح (نحن الشرف الباذخ) التي تناهض الاستعمار وتنادي بوحدة وادي النيل في تلك الحقبة من الزمان، والتي كان يقابلها في الجانب الآخر (السودان للسودانيين).
إلا أن موضوعي في هذا المقال اغنية مصرية في غاية الجمال والروعة وتلامس وجدان أهل السودان أيضاً كما عشقها المصريون.
دائماً أكرر أن الغناء (الجميل) سجلٌ تاريخيٌّ لحياة الشعوب، يعكس ثقافاتها وحركة المجتمع الذي يتفاعل مع الغناء (الجميل) الذي يعبر عنه ويصور شكل حياة المجتمع وانفعالاته وحجم مُعاناته مع ذلك في حركته اليومية.
والشعوب وأهل الأرض جميعاً، لا بد أن تجد بينهم روابط وقواسم مُشتركة خصوصاً إن كانت تربطهم علاقات جوار وتداخل عرقي وثقافي أو ديني
وأنا بجمهورية مصر العربية هذه الأيام في رحلة استشفاء، استمعت واستمتعت بأغنية مصرية لسيد درويش على ما أظن ووجدت بها تشابهاً كبيراً وعميقاً ببعض الأغاني والمعاني السودانية وتكاد تتطابق في بعض الجزئيات.
حقيقة لست متخصصاً في هذا الأمر ومهنتي ترتبط بالأرقام أكثر من الحروف والكلمات، ولكني سوف أبدي ملاحظاتي لعلها تفتح أبواباً لأهل التخصص للبحث والتنقيب.
تقول تلك الأغنية باللحن والصوت الجميل
الحلوة دي قامت تعجن في البدرية
والديك بيــدن كوكو كوكو في الفجـرية
أكاد أجزم أن هذه البداية يعشقها ويرددها معظم أهل مصر في الريف والحضر بكل سحناتهم ودياناتهم وكلماتها محفورة في وجدانهم وتدغدغ مشاعرهم (هذا ما أظنه)، رغم أنّ بعضهم لم يعش أو يشاهد هذه الحالة أو يرتبط بها وهي حالة أقرب لأهل الريف والفلاحين، إلّا أنّ الجميع يجد نفسه بصورة أو بأخرى داخل إطار النص واللحن (حسب مُلاحظاتي).
وما يستوقفني هنا عبارة (الحلوة) ومن المقصودة؟؟
هل هي الزوجة أم الأم أم غيرهما؟ واليقين أنها (حبيبة) بغض النظر عن أي شكل أشكال الحب ومفاهيمه، وهنا تقفز الى ذهني أغنية سودانية عن الأم (تصنف) من أغاني (الشايقية) تقول في أحد مقاطعها (قائمي الصباح متكفلتي شايلي الحليلي على المراح) وهنا إشارات لبداية اليوم.. (حليب هنا وعجين هناك) وبسرعة تتداخل صورة أخرى من أغنية مصطفى سيد أحمد (عم عبد الرحيم) تؤكد بداية اليوم من (التكل) وهي مفردة نوبية تشير للمكان الذي (تعجن به الحلوة في الفجرية).
يقول (محمد سالم حمّيد) في هذه الأغنية
عم عبد الرحيم
ماشي على الشغل
في البال القديم
اتعارض تكل
تنشايح جراح..
يا كيف الغسل؟
الدنيا أم صلاح
تبدأ من التكل
من حج الصباح
في حق الملاح
في اللبس الجديد
في القسط القديم
وبيناتن عشم
في الفرج البعيد
عزيزي القارئ عند مراجعة أغنية سيد درويش و(حلوته) والأحوال التي تعكسها الأغنية ستجد كثيراً من أوجه الشبه وربما التناص في كثير من الصور مع محمد سالم حميد وأشعار محجوب شريف مع العمال والطبقات الكادحة والسكة حديد وأغنيات الشايقية والسر عثمان الطيب، أيضاً يقف لنا ود الرضي مع (ست البيت).. نوعدكم بتناول ذلك تفصيلاً في مقال قادم.
سلام