15 اكتوبر 2022م
“ما كان هذا الحُب غير تبادلِ الأعمار بين اثنينِ، والصوتِ المضاعفِ للجمال الغضّ وهو يعيد تضميد الفراغِ – بما يَليقُ – من الغبارِ”.. شوقي بزيع..!
استوقفني تفاوت ردود فعل القُرّاء بشأن سؤال تمّ طرحه – بإحدى المجموعات الشهيرة الخاصة بالسودانيين على موقع الفيس بوك – عن فارق العُمر الكبير بين الزّوجين. وقد تمسّك بعض المُعلِّقين “وكُنت منهم” بنسبية الحالة الخاصّة بكل شخصية، وبالتالي نسبية الأحكام في هكذا قضية..!
وهنا تذكّرت نقاشاً لطيفاً حول ذات الأمر دار بيني والكاتب الراحل أستاذنا “سعد الدين إبراهيم” – رحمه الله – والذي كان قد كتب مقالاً يُؤيِّد فيه مضمون تلك الرسالة الشهيرة التي بعث بها الأديب الروسي “إيفان تورجنيف” إلى عاشقةٍ صغيرة كانت قد ضَيَّقت الخناق على رصانته الستينية بجمالها العشريني، فخاطبها فيها قائلاً “إن من يناقض سنن الطبيعة يهلك، وإن اقتران الكهولة بالشباب لا ولم ولن يسعد أي حبيبين”. وقد قالها – من بعده – الفنان “كمال ترباس” بنزاهةٍ عاطفية باعثة على الإعجاب “راعي حرماني واخش عامل السن، سنِّي ماشي كبير، ليه تسيبني أجن، يا جنا الوزين”..!
بإسقاط الفكرة على مؤسسة الزواج – وعلى طريقة سؤال “قروب الفيس بوك” المذكور آنفاً – باعتباره شراكة اجتماعية، خيرية، اختيارية، غير ربحية …إلخ.. هل تقبل واقعية الحياة الزوجية بكل ما فيها من إشكالات وعلل ومَزالق ومَهالك، ومواقف خائبة، وضربات استباقية، وجدل عقيم، وإحباط مركب – هل تقبل تلك المؤسسة المُثقلة بالأدواء سلفاً – فكرة القسمة على طريقة “أكبر من” و”أصغر من” يا ترى..؟!
أجدني اختلف مع وجهة نظر “تورجنيف” لجملة أسباب موضوعية، وباجتهاد مبني على قدرٍ معقولٍ من الاطّلاع على خُصوصية ظروف حياة الكاتب واستثنائية تركيبته النفسية والأسرية، التي جعلت منه ناضجاً طفلاً يفضل المرأة الأكبر سناً وبالتالي خبرة. وهكذا فإنّ مُجمل القول عندي في هذا الشأن هو بطلان التعميم والتفرقة في أي شأن من شؤون العاطفة التي قال “بلزاك” إنّها كالموت “لا تعترف بالتّصنيف ولا تشتغل بقوانين الأرشَفَة”. فالحديث عن انعدام فرص نجاح بعض الزيجات بناءً على حسابات رياضية تتعلّق بفارق العُمر هي نظرية اجتماعية أثبتت تهافتها في أحوال كثيرة..!
نتيجة اختيارك لشريك يكبرك أو يصغرك في العُمر هو أمرٌ مرهونٌ بحزمة من التفاصيل الشخصية والخاصّة التي لا يجوز معها التعميم، وأسباب الخوف من فارق السِّن بين الزوجين تنحصر في تفاوت الوعي والنضج الاجتماعي والحالة الصحية والمقدرات الجسدية، وهي – كما ترى – أحوال نسبية ما عادت مقياساً في عصر انقلابات العلم وثورات العقاقير..!
بذات المنطق أذكر أنّني قد أجبت – قبل سنوات – على أسئلة قارئة شابة مُتنوِّرة، ضمنتها رسالة طريفة بثت عبرها حيرتها بشأن الزواج من رجل قلّ أن يَجُودً به الزمان، لكن تصادف أنه “كهل”. وكانت إجابتي تتلخّص في أن العواطف الإنسانية لا تنمو وفقاً لمتوالية عددية، وأنّ القناعة والسعادة أحوال قلبيةٌ متفاوتةٌ لا يجوز معها القياس ولا ينجح في ظلها التعميم..!
فإذا تاخم نضج الشابة وعي الخمسينية “كما يتّضح من رسالتها”، وإذا جارت قوة الكهل مظهر الشباب “كما ذكر فيها”، رُدِمَت الفجوة الجيلية، وتقوَّضت نظرية “تورجنيف”، وتهافت منطق الرسالة، وحُسم الجدل، وتَهافتَ التهافُت..!
munaabuzaid2@gmail.com