الشمع والدموع !
لاحظتُ في مسيرات أمس الأول حول فعاليات تأبين شهداء الثورة، والذي اختلفت فيه الجهات الداعية والمنظمة في التوقيتات والشعارات، فيما اتخذت كتلة الشارع مسارها بأنشطة نهارية، وهي إشارة تستحق التوقف لكونها علامة أن الشارع ينتحل اسمه ربما غير من يتمسكون أنهم من صنعوا هذا الحراك، ويمسكون بخيوطه! وقد لاحظت في تلك المسيرات تقليد الدعوة لإشعال الشموع كفعل تعبيري مؤبن للشهداء، وقد حِرتُ في مغزى الأمر ورسالته لشعب الداخل باعتبار أنه المعني بالموقف التعبيري ورسالته، كما تلمست استغراباً في رمزية الفعل البعيد عن الطقوس المجتمعية السودانية المحلية.
فعل إشعال الشموع يماثل ملاحظات سابقة بشأن طرائق التسويق والعرض للفعل الاحتجاجي أو تقديمه من مألوف قديم عرفه الناس بالسودان، وكان قديماً يعتمد مع الهتاف والخطاب على رفع أغصان النيم وما إليها من طقوس تراجعت الآن لصالح (أيقنة) بعض الأمثلة أو تقديم طرائق جاذبة للفت الانتباه مثل زاوية الوقوف لأحد الهاتفات التي وصلت لأرض الاعتصام بالقيادة العامة، وتخيرت مرمى بصر للكاميرات وقفت عليه وهتفت لتعرضها الصور بنسق وقوف أقرب لانصباب تمثال الحرية بنيويورك في أفق النظر !
عادة تعارف الناس في تأبين الشهداء والموتى؛ على تقاليد ذات مظهر ديني من وهب الراحل ختمة قرآن وأدعية أو ذكر المحاسن وبشكل أعمق تقديم سند لأهل المتوفى ورعاية أسرته والتعهد بهم؛ ويشمل هذا وصل أسر المكلومين في عزيز والحرص على برهم، ولذا فإني في عجب من عدم ظهور أي قيادي سياسي من التنظيمات المتبنية للنزول للشوارع بالشموع في بيت شهيد أو بجوار أسرته، وحتى إن حدث هذا فربما لاسم أو اسمين من الضحايا الذين ارتبطوا بالصيت والذيوع، وكانوا حاضرين في الإعلام! حدث هذا رغم العدد الكبير للشهداء والجرحى وهو قصور بصراحة خالف ثوابت تقاليد السودانيين الاجتماعية
تقليد إشعال الشموع أو وضع ازهار على مكان سقوط ميت أو على قبره يرتبط أو معلوم أنه تقليد غربي؛ ولا داعٍ للخوض في مرجعياته الدينية الطقسية الكنسية ! مع ملاحظة أن كل الفقداء في الوضع السوداني مسلمون! وهذا يقود مباشرة لحقيقة أن كثيرا من طرائق العرض والظهور المطروحة ضمن فعاليات الحراك تبدو وكأنها ترمق من بعيد جهات تقدم لها هذه الأمثلة التعبيرية لأغراض الترويج ولأهداف لا صلة لها بالتضامن مع الثورة ولا الثوار أو حتى قضاياهم.