(الوطني).. فِيمَ يُفكِّر قادة )النادي الكاثوليكي)..؟
اختفاء قياداته يُثير التساؤلات ويُربِك المشهد السياسي
الساعوري: اسمه مرفوض في بورصة السياسة وغير قابل للتداول
خبير سياسي: شعارات الثورة تُحُولُ دون حل الوطني ولكن…!!
بعض قيادات الصف الثاني للوطني (محروقة) سياسياً
قيادي شاب بالوطني: المرحلة الأولى تُحتِّم علينا العمل السري
الأنصاري: الوطني يفتقد القاعدة الأخلاقية لمزاولة العمل السياسي
الخرطوم: صلاح مختار
لم يصدًر حتى الآن أي قرار رسمي حول حزب المؤتمر الوطني، رغم الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير الذي كان يتزعّمه، ورأى مراقبون أن المجلس العسكري لن يُقرر حل الحزب وسيترك المهمة للقضاء، فيما رأى آخرون أن الحزب ربما يحل نفسه بنفسه، إذا لم تتكفل السلطات الحالية بذلك.
ورغم أن الوطني ظهر في أول تصريح له عبر بيان عقب التغيير، اعتبر التغيير الذي تم انتهاكاً للشرعية الدستورية، ودعا إلى إرساء تداول سلمي للسلطة وإطلاق المعتقلين من قيادات الحزب. وطالب كذلك -في بيان- المجلس العسكري بتسريع تطبيع الحياة السياسية، وتمكين الأحزاب من مزاولة العمل السياسي، وتكملة التحوّل الديمقراطي، وإرساء مبدأ التداول السلمي للسلطة، والاستمرار في معالجة الأوضاع الاقتصادية بالبلاد، دون عزل لأحد.
دوافع التغيير
إلا أن الوطني عاد وانتقد الاستيلاء على السلطة، واعتبر ذلك انتهاكاً للشرعية الدستورية التي كانت قائمة، لكنه استدرك قائلاً إن الحزب يُعلن تفهّمه لدوافع ما أقدمت عليه المنظومة الأمنية، ويؤكد أن حفظ أمن البلاد وحقن دماء أبنائها أولوية قصوى. وشدّد على أنه يرفض اعتقال قياداته ورئيسه المفوض وعدد كبير من رموزه، ويُطالب بإطلاق سراحهم فوراً، خاصة أن المجلس العسكري أفرج عن جميع المعتقلين السياسيين باستثناء معتقلي الوطني، كذلك ندد بعمليات التخريب التي طالت بعضاً من دوره في الولايات، ودعا إلى منع الاعتداء عليها ومحاسبة المتورطين في حرقها وتخريبها.
سر الاختفاء
قيادات المؤتمر الوطني، انزوت عقب نجاح الثورة رغم الحديث السابق وتطمينات سياسية بعدم حل الحزب وإمكانية ممارسة نشاطه، بل إن رئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير رحّب بمشاركة قيادات الوطني في الحياة السياسية، إلا الذين اتهموا في قضايا فساد.
لقد شكّل اختفاء الوطني عن الساحة علامة استفهام وتساؤل لدى الكثير من السياسيين والمحللين عن سر الاختفاء والعودة، لقد وجد البعض العذر للوطني، ولكن البعض الآخر رأى أن لا مستقبل له بالشكل القديم، وبالتالي كيف يُفكّر الوطني.
سرية النشاط
يبدو أن عدم صدور أي قرار بحل الوطني، أو إعلان حل نفسه جعل البعض يتشكك في قراءة مستقبله السياسي، ورغم أن الخبير السياسي البرفسير علي الساعوري، قال لـ(الصيحة): لا أحد يستطيع حل الوطني، لجهة أن الشعارات التي رُفعت من قبل الثوار تدعو إلى الحرية والعدالة والسلام، وباعتبار أن النظام المقبل هو نظام ديمقراطي، ويجب ألا يحل الحزب، وإنما تُحاسب قياداته لو افسدت، وبالتالي ينتفي معه أي حديث عن سرية نشاطه السياسي.
ولفت إلى الحديث عن عقده اجتماعاً مع عضويته التي قدرت بـ(1500) شخص في مكان ما لذلك الحزب (ما شغّال سراً).
وجوه مشروخة
صورة المستقبل بالنسبة للوطني وفق رؤية الساعوري أنها صورة غير وردية، لأن الحزب يعيش الآن في نفق مظلم ليس فيه أي ضوء إلا بتغيير سياساته وقياداته واسمه، باعتبار أن اسهمه في البورصة السياسية مرفوضة وغير قابلة للتداول، وبالتالي إذا كان اسمه مرفوض بالضرورة لا يمكن إعادة بنائه أو إنتاجه. كذلك إذا كان الاسم مرفوضاً بالضرورة، القيادات المعروفة تصبح مرفوضة، بالتالي يجب أن يكون هناك مشروع لحزب جديد يستصحب معه شعارات وبرامج الجيل الجديد.
وشدد الساعوري على ضرورة أن تكون هناك قيادات بديلة وذهاب القيادات القديمة إلى (المعاش).
وقال: تلك القيادات ليست لها أي فرصة في المستقبل، لأن لسانهم مقطوع ووجوحهم مشروخة، وأن النظام كله انهار اقتصادياً وفكرياً وسياسياً، كذلك سمعة النظام انهارت.
قيادات محروقة
وقطع الساعوري، بأنه ليس هنالك أمل بتلك القيادات القديمة، وأوصد الباب أمام إنتاج مشروعهم القديم بقيادات ومسميات وسياسات وقيادات قديمة، وحثَّ شباب الحزب على التحرك واستلام دفة القيادة في الحزب وتقديم المبادرات، وعاب عليهم انكفاءهم وانزواءهم خلف الأحداث عقب تغيير النظام السابق ولم يتحركوا حتى الآن.
وتساءل عن خطتهم المستقبلية، مشيراً إلى أن عدداً من قيادات الحزب لا زال بالسجن، وأن بعض القيادات الوسيطة للوطني أضحت محروقة سياسياً، وبالتالي يجب على شباب الوطني الموجود التقدّم لقيادة الحزب والقيام بهذا العمل، ويجب ألا يقوم به (المحروقون) حتى يستعيدوا مشروعهم السياسي بشكل من الأشكال.
وشدّد على ضرورة التفكير في ذلك، وأن يقوم بذلك شباب الحزب، مُحذِّراً مِن أنَّ تصدُّر القيادات المحروقة المشهد سينتج مشروعاً محروقاً.
تحت الأرض
هنالك مراحل ستُحتّم على المؤتمر الوطني التعامل معه خلال المرحلة الحالية، حتى يظل على قيد الحياة وممارسة نشاطه بأي صورة من الصور.
ولذلك يقول المُحلّل المختص في الحركات الإسلامية عثمان شيخ الدين لـ(الصيحة): ربما تكون المرحلة الاولى يحتم عليه أن يتحول الحزب إلى العمل السري باعتبار الاستهداف الواضح والعلني الذي سيتعرض له من القوى الثورية سواء من المجلس العسكري أو قوى إعلان الحرية والتغيير التي أطاحت بالإنقاذ، وبالتالي غالباً ما يلجأ الحزب إلى العمل تحت الأرض إلى حين الشعور باستقرار المناخ السياسي.
وقال: الآن المناخ فيه كثير من التجاذبات والأصوات العالية التي تدعو للإقصاء والمحاسبة وتحميلهم الفشل وفشل الدولة، وكل آلام المجتمع. ولذلك ما يُحتّم محاكمتهم أدبياً وسياسياً.
الجرح والتعديل
أما المرحلة الثانية على المدى المستقبلي للوطني، فإن شيخ الدين يرى أنه ربما سيكون له وجود بشكل أو بآخر وسط المجتمع أو بسبب انتشاره وسط قطاعات الشباب والمجتمع، ووسط القوى الحية، ويستند على ذلك على إرثه داخل القطاعات المختلفة بالدولة، وهو ما تعارف عليه وسط القوى الثورية بـ(الدولة العميقة)، ولذلك فإن التنظيم ستكون لديه القدرة على الخروج العلني للمشهد السياسي بترتيبات جديدة ربما باسم جديد للحزب وقيادات جديدة غير ظاهرة للعيان الآن قد يكون أغلبها من القيادات الشبابية التي تمارس النقد الذاتي للتجربة السابقة، وتقف على نقاط القوة للاحتفاظ بها، وعلى نقاط الضعف وسدّها، بجانب تقديم مشروع وطني مخلص وخطاب يعتمد على تطلعات المجتمع، وتزيد من حجم الممارسة والشعور بالتبادل الجماعي، والتقليل من هيمنة القائد على الحزب، وإتاحة قدر واسع للنقد الذاتي لكل التجربة، والقدرة على الجرح والتعديل وتجاوز أهواء الأشخاص والأفراد، والولوج إلى الرؤية الجماعية التي تنظر للوطن والشعب والمجتمع كأهداف للعمل السياسي، وليس للمصالح الشخصية أو الحزبية الضيقة.
اختفاء قسري
رغم إلحاحي على أحد القيادات الشبابية للوطني للحديث معي بشأن الحزب، إلا أنه رفض بشدة بحُجّة أنه لا يوجد شيء للحديث فيه، وقال لـ(الصيحة): نحن لا نعرف أين اختفت كل قيادات الحزب، وكأنه (فص ملح وداب)، وشكك في الوقت نفسه في الحديث عن عقد مكتب قيادي للحزب، وأكد اختفاء كل قيادات الحزب الباقية من الصف الأول والثاني، ولا علم للعضوية بهم، وليس لديهم أي اتصال مباشر بهم. وقال: ربما كام اختفاء قسري. بيد أنه عزا ذلك إلى احتمالات منها احتمالية إعادة الترتيبات لمرحلة جديدة وصناعة قيادات بديلة غير معروفة في الساحة وصورة ذلك المشهد في المرحلة المقبلة.
ظروف خاصة
وقال ذات المصدر الذي ــ فضل حجب اسمه ــ إن تلك القيادات التي اختفت وتوارت عن الأنظار بسبب تخوفهم من المساءلة القانونية والاعتقالات السياسية بالتالي فإن احتمالات اللجوء إلى العمل السري حاضرة بشدة للحفاظ على بقية القيادات، وإدارة العمل بشكل مؤقت إلى حين انجلاء الأزمة.
وقال: رغم أنه ليس هنالك قرار بحل المؤتمر الوطني إلا أنه (حل نفسه بنفسه)، أما القيادات التي كانت تشكل العمود الفقري للحزب كأنهم (فص ملح وداب)، عدا تلك التي في السجون.
كتائب ظل
بينما يرى مراقب عام الإخوان المسلمين في السودان، عوض الله حسن، في حديثه لـ(عربي21) إن الثورة قامت على عدة أسس هي (الحرية، السلام، العدالة) وأن عليها الاستمرار بهذا الشكل. ولفت إلى أن حزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقاً لا يمكن أن يستمر بهذا الشكل، خصوصاً أن لديه كتائب ظل، يجب سحب سلاحها بشفافية ووضوح تام. وأكد أن الحزب لن يشارك في الفترة الانتقالية بأي بحال من الأحوال، لأن الثورة قامت عليه بالأساس. متوقعاً عودة الحزب مستقبلاً للعمل السياسي، لكن محاسبة ممتلكاته التي بناها على حساب الشعب السوداني. ولفت إلى أن السودانيين لا يجب أن يحاسبوا على أفكارهم، وأن الحزب إذا أراد أن يمارس السياسة مستقبلاً فهو يفضل أن يكون على السطح وبوضوح. وتابع أن على الحزب تغيير جلده، واسمه، وطريقة تفكيره، وأن يكون في المستقبل حزباً يخدم السودانيين.
جدية الطرح
وعن الأصوات التي كانت تنادي بالتغيير من داخل الحزب، قال حسن إنه من غير الواضح جدية طرح هؤلاء، ومدى التغيير الذي كانوا يطالبون به، مؤكداً أن من أجرم بحق السودانيين من الحزب فيجب أن يحاسب، أما من لم يجرمه القانون فلا يستطيع أحد منعه من ممارسه حقوقه.
القاعدة الأخلاقية
رئيس مكتب حزب الأمة القومي في بريطانيا، محمد الأنصاري، قال إن المجلس العسكري لا يملك الحق بحرمان أي طرف من ممارسة العمل السياسي. بيد أنه قال إن الجهة المدنية لها طرق التعامل مع الحزب، ولفت في حديث لـ(عربي21) إلى أن الحزب الآن يفقد القاعدة الأخلاقية لمزاولة العمل السياسي. وقال إن الحزب الآن غير موجود على الساحة، وانتهى كما انتهى حزب الاتحاد الاشتراكي الذي قاده الرئيس السابق، جعفر النميري، مع دخول البلاد العملية الديمقراطية.