القوى السياسية.. غياب التوافق
الخرطوم- صبري جبور
تعيش القوى السياسية المدنية في حالة خلافات مع بعضها منذ ما يزيد على عام عقب أزمة سياسية لا سيما بعد قرارات رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر2021م، التي أفضت إلى حل الحكومة والشراكة مع قوى الحرية والتغيير، هذا الاختلاف في مواقف أحزاب المعارضة حول الشأن السوداني ألقى بظلاله على عدم القدرة باتخاذ موقف موحَّد بشكل واضح وعلني، بل تتوافق هذه الأحزاب على معارضة الجيش رغم اختلاف موقفهم من عملية التوافق حول القضايا الوطنية والجلوس في مائدة حوار “سوداني سوداني” بغية الخروج بالبلاد إلى بر الأمان وإكمال ما تبقى من عمر الفترة الانتقالية وصولاً إلى مرحلة الانتخابات. في المقابل هناك بعض القوى المدنية ترى بأن المصلحة الوطنية العليا تقتضي ضرورة وجود القوات المسلحة في مفاصل الدولة والحكم، باعتبار أنها خط الدفاع الأول لحماية الوطن وترابه من الأعداء والطامعين على ثرواته .
انقسام المعارضة
نشر معهد دراسات الأمن الأفريقي، تحليلاً قال فيه: إن المعارضة السودانية غير قادرة على الاتفاق على خطة انتقالية وأرجعت ذلك إلى أن الشيء الوحيد الذي يوحدها هو معارضتها للجيش.
وأكد التقرير بحسب الزميلة (اليوم التالي) أن الجهات المدنية الفاعلة تنقسم فيما بينها ولا يمكنها الاتفاق على خطة انتقالية.
واعتبر التحليل أن قوى البحرية والتغيير التحالف المدني الذي أنشئ في عام 2019م، لمعارضة حكومة الرئيس السابق عمر البشير – ساهمت بشكل كبير في نجاح الثورة، لكنه انقسم منذ ذلك الحين إلى ثلاث مجموعات على الأقل تتمثل في المجلس المركزي وتحالف الإجماع الوطني وقوى التغيير.
ووفقاً لمعهد دراسات الأمن الأفريقي يواجه فريق الوساطة الثلاثية التحدي المتمثل في توحيد هذه الجهات الفاعلة مع مواقفها المتباينة في بعض الأحيان للوصول إلى خطة تفاوضية للانتقال السياسي.
وقال التقرير: (رغم هذا الواقع يمكن استغلال الفرص المتمثلة في تعهد الجيش بتسليم السلطة إلى حكومة مدنية والانسحاب من الساحة السياسية إذا تمكن المدنيون من التوصل إلى اتفاق مفاوضات بشأن خطة انتقالية).
وأوضح التقرير أن هناك فرصة لحل الأزمة في السودان رغم تشكيك أحزاب سياسية ولجان المقاومة في صدق الجيش.
وقال التقرير: (إلا أن الدعوة قد وضعت المسؤولية على المدنيين للتغلب على خلافاتهم والمضي قدماً في تشكيل حكومة انتقالية).
توافق القوى السياسية
وفي تصريح سابق، قال رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان: إن القوات المسلحة تنحاز إلى خيارات الشعب السوداني، ودعا القوى السياسية لتحمل مسؤولياتها في هذه المرحلة الدقيقة والبعد عن التجاذبات والتشرذم.
وأيضاً أعرب نائبه الفريق أول محمد حمدان دقلو، عن أمله في توافق القوى السياسية على استكمال مؤسسات الفترة الانتقالية وتشكيل حكومة مدنية.
وتعهد حميدتي، بالتزام المؤسسة العسكرية بتسليم السلطة إلى المدنيين والخروج من العملية السياسية، مؤكداً استعداده لتقديم المساعدة للأطراف المدنية من أجل الوصول إلى اتفاق سياسي يمكِّن البلاد من تجاوز أزماتها الراهنة.
ودعا دقلو إلى توحيد المبادرات السياسية المطروحة عبر آلية زمنية موحَّدة لتسريع التوصل إلى الحل السياسي، مشيراً إلى أن المطلوب في المرحلة الراهنة هو الإجماع وعدم الاختلاف، وتكاتف وتضافر الجهود لمواجهة التحديات المحدقة بالبلاد.
ارتهان للمحاور
أما قراءة الباحث في الشأن السياسي الطيب عبد الرحمن الفاضل، لما يحدث وسط القوى المدنية، يرى أن كل القوى السياسية الموجودة يميناً ويساراً لن تتفق على مصلحة البلاد، مشيراً إلى أن اتفاقهم من سابع المستحيلات لجهة ارتهانها للمحاورالتي تغيِّر المشهد في أي لحظة، وقال كل طرف يبحث عن مصالحه الشخصية والحزبية الضيِّقة بعيداً عن مصلحة الوطن والمواطن، وأضاف: “لذلك لن تحدث أي بادرة للتوافق الوطني مادام برتهنوا للمحاور”.
وشدَّد الطيب في تصريح لـ(الصيحة) أمس، على ضرورة الجميع أن يتناسى الخلافات من أجل وضع المصلحة العليا للوطن والمواطن في المقدمة، وأن يتراضوا للجلوس في طاولة واحدة للحوار لإنهاء الأزمة الراهنة التي أقعدت بالبلاد.
وتوقع الفاضل أنة يشهد المسرح السياسي خلال الفترة المقبلة مزيداً من التعقيد حال عدم التوافق بين المكوِّنات السياسية السودانية ، داعياً أن ينتهج الجميع الحكمة وقبول الآخر لتوقيت الفرصة على أعداء الوطن.
الدولة العميقة
وفي السياق، قال الخبير والمحلِّل السياسي البروفيسور صلاح الدين الدومة، إن الحديث بأن المعارضة غير قادرة على الاتفاق، ظاهرياً هو صحيح لكن في الواقع نجح النظام البائد والدولة العميقة والفلول في ألا يتفق الجميع، باعتبار أنهم استعدوا لهذه الخطوة قبل خلعهم للسلطة.
وأكد الدومة في تصريح لـ(الصيحة) أمس، أن النظام السابق يسعى من أجل ألا تتوافق القوى المدنية، بل يعمل لإحداث شقاق بين تلك الكيانات.
متهماً دول أجنبية بالوقوف وراء عدم توافق المدنيين لأنها تهدف إلى عدم استقرار السودان.
سيناريوهات محتملة
من جهته وضع المحلِّل السياسي محمد علي عثمان، في تصريح لـ(الصيحة) أمس، ثلاث نقاط أساسية تجاه عد التوافق بين القوى السياسية، أن عملية التوافق لن تحصل أبداً، في ظل الخلافات والانقسامات التي تشهدها بين الفينة والأخرى، الجيش سيستلم زمام الأمور وسيكوِّن حكومة تكنوقراط مدتها سنة أو سنة ونصف حتى تقوم الانتخابات العامة من أجل أن يختار الشعب السوداني من يمثله، منوِّهاً لكن الخطوة تتطلب إقناع المجتمع الدولي بأن التوافق بين المدنيين لا يحدث، وأضاف بالرغم أن أمريكا والترويكا وصلاً إلى قناعات باستحالة التوافق بين القوى المدنية.
وأشار محمد علي، أن تعدُّد الإعلانات الدستورية دليل واضح على غياب التوافق بين القوى السياسية، في وقت حذَّر من سيناريو الفوضى لجهة عدم الوصول إلى اتفاق وتوافق حول القضايا الوطنية التي تهم الوطن والمواطن.