إعلان سياسي جديد.. اختراق أم تعقيد للمشهد السوداني؟
الخرطوم: صلاح مختار
المشهد السياسي السوداني لا أحد يمكن أن يتكهن أو يتنبأ به وبما تؤول إليه السيناريوهات غداً مهما تسلَّح بالعلم أو تسلَّح بالخبرة من واقع التناقضات التي تحيط به إحاطة السوار بالمعصم، لأن المعطيات التي تطرأ دائماً تشذ عن القاعدة، ولكن قد يرى البعض أن تعدُّد المبادرات والمواثيق دليل عافية ولكن في نفس الوقت يفتح باباً لتوسيع رقعة التفتت السياسي أو الاجتماعي جراء المخالفين لما يطرح من ميثاق أو اتفاق .
ولقد اعتمد الإعلان السياسي بين كتلة الترتيبات الدستورية وقوى التوافق الوطني في مؤتمرهم الصحفي أمس، وثيقة الحقوق الواردة في الوثيقة الدستورية السابقة كما أمَّن الإعلان السياسي بينهم على قيام مجلس أعلى للقوات المسلحة.
وجاء ذلك خلال إعلان بنود الإعلان السياسي المشترك الحرية والتغيير – التوافق الوطني وكتلة المبادرة السودانية للترتيبات الدستورية بقيادة الاتحادي الأصل بقيادة جعفر الصادق الميرغني.
فهل هذا الميثاق الجديد الذي تم إعلانه فيه حل لمشكلات البلاد أم مجرَّد إعلان سياسي سرعان ما يتبعثر في الهواء كغيره من الإعلانات السياسية الأخرى؟
علاقة متوازنة
نص الإعلان الجديد على الإبقاء على علاقة متزنة بين المدنيين واليساريين، وتكوين مجلس تشريعي قوامه (400) عضو، يراعى في اختيارهم التنوع الثقافي والعرقي والجغرافي.
ومن ضمن التعديلات التي أدخلها الإعلان على الوثيقة الدستورية النص الخاص بمنح قوى التوافق الوطني سلطة إعفاء رئيس الوزراء بدل المجلس التشريعي، وحذف المادة (20) التي تحظر ترشح شاغلي المناصب الدستورية في الانتخابات المقبلة، كما منح الإعلان السياسي الجديد قوى التوافق الوطني سلطة إعفاء رئيس الوزراء بدلاً عن المجلس التشريعي .
إحداث اختراق
يرى القيادي في قوى التوافق الوطني نور الدائم طه، أن الإعلان الموقع يمكنه إحداث اختراق حقيقي في الساحة السياسية. وقال لـ”الجزيرة نت” إن قوة الإعلان تتمثل في عدة نقاط أهمها: مخاطبة القضايا التي تشغل بال الشارع السوداني، وصياغته على يد كتلة معتبرة تمثل روح الثورة بما في ذلك لجان المقاومة. وبشأن التفسيرات التي قالت إن العسكر يقفون وراء الإعلان الموقع، أبان طه بأن النص بالإبقاء على علاقة متزنة مع العسكر جاء من باب الحرص على استقرار الفترة الانتقالية. وفي دفاعه عن الإعلان، قال طه إنه يتسم بالمرونة، مستدلاً بتركه قضية جوهرية مثل “تكوين جسم سيادي” للتوافق بين القوى السودانية، بما في ذلك أمر تسمية الجسم وقائده، علاوة على تفصيل مهامه واختصاصاته.
وعن شكل العلاقة بين قوى التوافق الوطني وقوى المجلس المركزي، أكد طه أنهم بصدد الدعوة لمؤتمر “مائدة مستديرة”، يضم كافة الفرقاء السودانيين لدراسة كافة المبادرات والإعلانات الخاصة بإدارة فترة الانتقال.
إرادة الشعب
يقول المحلِّل السياسي والكاتب عبد الله آدم خاطر: أستطيع القول إن التوقيع الذي تم هو مدخل من المداخل الجديدة لتأكيد قيمة الثورة السودانية في إطارها الوطني والإقليمي والدولي، وقال لـ(الصيحة): هذا يؤكد أن المسيرات والمليونيات كانت مشحونة ومشهودة بإرادة الشعب السوداني وهذا واحدة من المداخل وسيكون الخطوة الأساسية التي تلتف حولها الإرادات الأخرى في تعضيد شعارات الثورة في الحرية والسلام والعدالة من أجل بناء دولة المدنية الديموقراطية الفيدرالية.
مرحلة الشمولية
ويرى خاطر أن الميثاق الجديد سيكون له تأثير في استقرار البلد على هذا الأساس وبالتالي نكون قد تجاوزنا تماماً مرحلة الشمولية، ورأى أن من يتحدثون بأصوات نشاذ هو أمر طبيعي وجزء من العملية الديموقراطية وهدم للماضي في الاتجاه نحو بناء المستقبل، غير أنه قال بالتأكيد أن العهد البائد مؤكد انتهى تماماً والانتقال بعد ذلك إلى نظام الدولة سواءً أكان من الناحية الدستورية أو التنفيذية في النهاية ينتهي لوجوه جديدة في المؤسسة المدنية بما يخدم أهداف الثورة.
النقطة الأولى
ولا يرى خاطر أن تعدد المواثيق والمبادرات عيباً أو يلقي بظلال سالبة على وحدة القوى السياسية، ورأى أن الحديث والتفسير ذلك يهزمه مسألتين النقطة الأولى الممارسة الديموقراطية عبارة عن أصوات متعدِّدة ومتنوعة، ولكن من أجل هدف واحد وهو التغيير. وقال: هل تلك المواثيق المتعددة أي واحدة منها بنيت على قاعدة استعادة الشمولية أو الدكتاتورية، طبعاً لا، بالتالي الهدف واحد والأصوات المتعددة هي للوصول إلى دولة مدنية ديموقرطية فيدرالية.
مصادر أكدت أن الإعلان السياسي الجديد هو محاولة لامتصاص غضب الشارع الذي يواصل مظاهراته من ناحية، ومن ناحية أخرى محاولة للتجاوب مع المجتمع الدولي الذي يرى أن الأمور في السودان لا تسير في الاتجاه الصحيح رغم الدعوة لعودة حمدوك لموقعه، وأن هناك مطلوبات واجبة التنفيذ وكشفت المصادر أن الصراعات والانقسامات داخل الأحزاب والكيانات تتسع بشأن الإعلان السياسي الجديد.
وفي أول رد فعل على الإعلان السياسي الجديد، أعلن المكتب التنفيذي للمجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير رفضه له، متهماً حمدوك بالعمل على ميثاق سياسي مع أفراد، وتجاوز الشارع وقوى الحرية والتغيير. وشدَّد المكتب على أن حمدوك لا يملك صلاحية دستورية للتوقيع على اتفاق أو طرح ميثاق سياسي، وأن الميثاق الجديد يهدف في الأساس ويفتح الطريق لإبدال قوى الحرية والتغيير الرئيسة بكيانات هلامية لا تؤمن بالديموقراطية، ودعا كل القوى الحيِّة لرفض هذا الميثاق.
فيما رفض الحزب الشيوعي الميثاق الجديد وأعلن مناهضته الدعوة لعودة حمدوك ووصف حمدوك بالفاشل.