حارة السقايين.. وحيرة جيل بأكمله!!
شاهدت في أحد الفيديوهات طلاب وطالبات جامعة الأحفاد وهم يهتفون في وجه السيد الصدق المهدي، بهتافات (مدنية/ ما ما دايرين أحزاب)، وبدا أن السيد المهدي في زيارة إلى الجامعة بحيث تجمعهم بأسرة البدري، المؤسسة والراعية لأطرخات مؤسسات الأحفاد التربوية علاقات أسرية وتاريخية.
* على أن الدهشة والحيرة والتساؤلات تكمن وراء هتاف المدنية في وجه رجل المدنية الأول في السودان، ألا وهو بامتياز السيد الصادق المهدي، على أن فترات الحكم التعددي المدني في تاريخ السودان على قلتها، كان السيد الصادق المهدي أحد أركانها الأساسيين، بحيث يبدو المشهد من فرط غرابته، كمن يبيع الماء في حارة السقايين!!
* ومن جهة أخرى، تتبدى الغرابة والدهشة أكثر في تراجيديا مشهد المطالبة بعدم وجود أحزاب، على حد هتافهم (ما دايرين أحزاب)، ولا أعرف يومئذٍ على أي قاعدة ستنهض تلك المدنية التي ينادون بها، وفي هذه الحالة يكون هولاء الطلاب أمام رؤيتين، إما أن هذا الجيل يهتف بما لا يعرف، أو أنها حالة من التمرد على كل المسلمات والقوالب القديمة. حتى دون مجرد التفكير في صيغ بديلة، وذلك على طريقة (تسقط بس) !!
* واهم من يظن أن هذا الجيل يمكن أن يكون تابعاً له أو أن يكون نصيراً لفكره وحزبه، فهذا الجيل ليس مع أحد كما لم تتبلور بعد كتلته التي يمكن أن ترجح كفة المستقبل، كتلته التي بطبيعة الحال يمكن أن تنهض على أنقاض الأحزاب القديمة.. لكن حتى تتبلور تلك الأحزاب الشبابية الجديدة فلا مناص من التعامل مع الأحزاب القائمة…
* ومهما يكن من أمر، هنالك عدد من الشعارات التي يمكن أن ترفع في حضرة الإمام المهدي، لكن على الأقل ليس من بينها شعارات (مدنية)، فالرجل المهدي أكثر مدنية من المدنية نفسها، كما لا يمكن أن ترفض فكرة الأحزاب في ظل الدعوة إلى الديمقراطية، فهذه الديمقراطية التي ننشدها لا تبنى بالسيخ والخرصانة، ولكنها تنهض على أكتاف الأحزاب الموجودة.
* يمكن أن يُحمّل السيد الصادق المهدي ومجايلوه من جيل حنتوب، ما آلت إليه البلاد الآن، على طريقة دكتور منصور خالد (النخبة وإدمان الفشل)، كون هذا الجيل ظل على صدارة المشهد السوداني منذ الاستقلال وحتى يوم الناس هذا.
* غير أن هذه ليست هي الأزمة، فجيل حنتوب يذهب الآن إلى ما فوق الثمانين، إلى ما فوق عمر النبوة، وبطبيعة الحال سيتقاعد بعامل السنين، غير أن الأزمة تكمن في كيفية بلورة هولاء الشباب أدواتهم التي يمكن أن يديروا بها شؤون مستقبلهم، فكل الذين يضعون الآن لهم جداول الحراك وحصص التاريخ هم من بقايا جيل حنتوب، فلعمري متى تضع ثورة الشباب جداول سواقيها حتى تضع الأحزاب القديمة أوزارها…