عندما تعانق عيونكم الكريمة هذه السطور، سيكون سعادة المستشار (عبد الله المطيرى) المكنى بـ(أبو سعود) سكرتير أول السفارة السعودية بالسودان قد يمم وجهه شطر الأراضي المقدسة عائداً إلى بلاده الشقيقة بعد أن أفسح المجال لخليفته المستشار (طلال الراقي).
هكذا ببساطة يتم تداول التمثيل الدبلوماسي وفق نظام دقيق ومتعارف عليه أرغم ( المطيرى) على المبارحة بعد حوالي أربع سنوات أمضاها في السودان منغمساً في كل تفاصيل الحياة السودانية حتى أطلق عليه زملاؤه من فرط استماتته في السودنة لقب (الزول) فأصبح ذلك نداؤه المتداول داخل أروقة السفارة وخارجها.
ولم أكن أود أن أقصم ظهر الرجل وهو يترجل عن منصبه في هدوء، ولكن وجدت لزاماً علي أن أعكس الجانب المشرق والملهم في حكايته مع الدبلوماسية الشعبية التي احترفها عن جدارة واستحقاق بحيث يرغمك على احترامه والانبهار بالنهج الذي يسلكه مع كل الفئات من أجل إنجاز مهامه الرسمية في إطار شعبي حميم وودود وبكل تواضع.
و(المطيرى) لمن لا يعرفه هو ذلك الرجل اللطيف، البشوش الذى لم يغلق بابه يوماً في وجه طالب حاجة أو باحث عن معلومة أو صاحب رأي. ودرج على التواجد المستمر في كل المحافل والمناسبات التي تستوجب التواصل والتعارف بحيث عكس دائماً الوجه المشرق لبلاده بكل تهذيب ووقار.
ولم تقتصر مهام الرجل على التمثيل الدبلوماسي ولا متابعة ملف السودان الذي تعاطى معه بمحبة صادقة، ولكن لعب بالمقابل دوراً عظيماً في ما يلي المسؤولية الاجتماعية بكافة وجوهها بين الشعبين الشقيقين، واجتهد في عمليات التلاقح الثقافي والدعم اللوجستي للكثير من الكيانات على أمل أن ينجح في تجسير العلاقات السودانية السعودية على الصعيد الإنساني، وأحسب أنه قد نجح في ذلك بكل سلاسة ويسر، لأنه اعتمد على حبه الكبير للسودان وأهله وعلى نواياه الطيبة تجاه البلاد والعباد أولاً.
وكنت قد شهدت الأسبوع المنصرم الاحتفال الرسمي الذي تم فيه تكريم ووداع (المطيرى) واستقبال نظيره (الراقي). وأكثر ما لفت نظري تدافع العديد من أفراد الشعب السوداني لذلك الوداع والحرص على تكريم الرجل بعدة طرق، ومن العديد من الجماعات والقبائل السودانية التي شهدت له بالتماهي فيها والقرب الشديد من كل تفاصيلها وتقديم كل ما يلزم من خدمات وتلبية كافة النداءات التي أطلقت له.
وأظن أن مهمة (الراقي) الذي يتسم بدوره بالهدوء الشديد والوقار ستكون عسيرة ما لم يلتزم بذات النهج الذي خلفه رجل الدبلوماسية الشعبية الأول في السفارة السعودية بحيث يتجول وسط الناس ويستعين على رسالته المهنية بالمحبة الخالصة.
وكان السيد سفير المملكة السعودية بالسودان حفظه الله، قد ارتجل خلال الاحتفال كلمة حميمة أجزل فيها الثناء على الرجلين وتمنى لهما التوفيق كلٌّ في مكانه الجديد، وأثبت إلمامه التام بكل ما يقوم به طاقم سفارته الموقر، مؤكداً رضاه التام عن النتائج الطيبة التي أحرزها ( المطيري) المودع إبان فترة تواجده الطويلة في السودان والتي أهلته عن استحقاق للقيام بأي مهمة توكل إليه فيما يتعلق بالشأن السوداني الذي غاص في تفاصيله حتى النخاع.
بالمقابل… أقام مك البطاحين السيد (عمر الدويد) مأدبة عشاء فاخرة على شرف وداع سعادة المستشار، كانت بمثابة تعبير شعبي عن امتنان هذا الكيان لكل ما قدمه الرجل للسودان والسودانيين إبان فترة عمله مما أكسبه الكثير من التقدير والاحترام وهو ذات الشعور الذي يكتنف العديد من الإعلاميين الذين تعاطوا مع الرجل عن قرب، وأنا منهم فوجدناه حاضراً لكل التفاسير عند أي استفهام دون تحفظ أو مداراة واضعاً مصلحة الشعوب على رأس قائمة عمله دون الالتفات للتقاطعات السياسية أو الأبعاد الخفية لأجندة العمل الدبلوماسي.
اليوم…. وفي هذه الساعة تحديداً… سيكون (أبو سعود) على متن الطائرة محلقاً نحو بلاده ليستلم مهمة دبلوماسية أخرى غير معلومة حتى الآن…. ولكنه سيظل من أكثر رجال العمل الدبلوماسي إلماماً بمعنى وقيمة وتفاصيل الحياة السودانية … الشيء الذى أهله لاستحقاق لقب رجل الدبلوماسية الشعبية، ودفعنا على غير العادة للكتابة بشكل شخصي عن رجل ترفع له القبعات ويستحق الشكر الجزيل على كل جميل قدمه لأهلنا متمنين له التوفيق حيثما وأينما كان مؤكدين أنه سيظل طويلاً في ذاكرة الدبلوماسية في السودان، متمنين لخليفته الحظ الوفير والتوفيق الدائم.
تلويح:
إذا أردت أن تكون دبلوماسياً ناجحاً، فانزع عنك عباءة البروتكول… وتجول بين الناس في دهاليز الحياة اليومية.