8 أكتوبر 2022 م
قامت ثورة في السودان في أبريل 2019م، وهي ثورة تعدّدت فيها المواقف والأغراض، وكان التأثير الخارجي فيها واضحاً جداً وكبيراً، بل كان سدنتها وسداتها على ارتباط وثيق بمجموعات خارجية ناصبت الإنقاذ العداء منذ نعومة أظافرها حتى شاخت، وكان دافع الخصومة أمرين.
1/ إنّ قادة وفكر الإنقاذ قام على التوجه الإسلامي، حيث كانت بتخطيط وتنفيذ الحركة الإسلامية، وإن الضباط الذين نفذوا الإنقاذ كانوا جزءاً من المنظومة الإسلامية، ووجود عساكر حزبيين ليس جديداً، بل قامت أحزاب وحركات بانقلابات كثيرة في السودان بتدبير وتخطيط حزبي، بعضها نجح، وجزء فشل وأكثر الأحزاب التي قامت بانقلابات في السودان حزب الأمة والحزب الشيوعي وحزب البعث العربي والجبهة الإسلامية وأحزاب أخرى بدرجات متفاوتة، وطبيعة كل الانقلابات مدنية ينفذها عسكريون وبغطاء وتخطيط حزبي.
2/ الدافع الآخر للعداء الخارجي للإنقاذ هو تبني الإنقاذ الخط الوطني واستقلال القرار الوطني،
أما موضوعات الحريات والديمقراطية لم تكن همّ العالم للتغيير في السودان، وكان أغلب الناشطين الذي تبنوا التغيير في أبريل 2019م، كانوا ممن لهم ارتباطات بالدوائر الخارجية، رغم أن التغيير كان تراكمياً، حيث أن معارضة النظام كانت منذ وقت مبكر، ولم يحدث التغيير صبيحة 11 أبريل 2019م فقط، والانقلابات والثورات والتغييرات ليست بدعة، ولا حمل السلاح والحرب ضد الدولة في السودان جديد، ولا محاكمة سياسيين وعسكريين قاموا بانقلابات أو ثورات أيضاً ماثلة وموجودة في السودان، وفي كثير من الأحايين يتم تنفيذ الأحكام أو العفو وإطلاق السراح بعد الحكم أو قبله، وحدث ذلك مرات عدة وتكرر، لأنّ السودان عائش على الجودية والوفاق والتسامح، والسودان دولة تتداخل فيها الأرحام وصلات القربى والدم وتمتد، وتختلط الوشائج وتعيش على التصاهر، وهي بلد تقوم على العرف والعاطفة وتطبيق القانون استثناءً، وهذه المواقف استفاد منها ساسة كثر وعسكريون من نوفمبر 1958م حتى الانتفاضة في 1985م.
هذه هي الظروف والقانون السائد في السودان.
اُعتقل الدكتور نافع ضمن قيادات الإنقاذ والمؤتمر الوطني العسكريين والمدنيين منذ أبريل 2019م، وظل مع زملائه في الحبس حتى تاريخه، ودخل في تهمة تدبير انقلاب الإنقاذ دون أن تُوجّه إليه قضايا فساد، وظل محبوساً على ذمة هذا الاتهام.
وقلنا إنّ الاتهامات بالانقلابات صاحبها في السودان كثيرٌ من الأعمال التي أطلق بموجبها متهمون حوكموا وتم العفو عنهم أو لم يحاكموا وتم العفو عنهم،
بما في ذلك آخرون حملوا السلاح ضد الدولة.
تداعت في الأسبوع المنصرم مجموعات سودانية ونفّذت وقفة في قاعة الصداقة، طالبت بإطلاق سراح المعتقلين من قيادات الإنقاذ والمؤتمر الوطني وبصفة خاصة د. نافع.
والدكتور نافع شخصٌ تميّز بالوضوح في كل شيء، عداء بيِّنٌ أو صحبة بيِّنةٌ، وكان يدافع عما يعتقد ويؤمن بقوة دون مُواربة، وهو رجلٌ عالمٌ ومفكرٌ، وشخصيةٌ وطنيةٌ قويةٌ وقومية، وهو رجل شيخ عرب وخدوم، وصاحب مواقف ومبادئ وهو حكيم ومتواضع، كذلك عنيف وقوي في الوقوف والدفاع عما يؤمن به، ورجل رغم غزارة علمه ومعرفته كان بسيطاً جداً لأنه بدوي، وأهل البادية جُبلوا على التواضع والعفة والصدق والكرم والشهامة والصبر على المكاره، ولا يشتكون من الظروف ولو كانت صعيبة وعصيبة، ولذلك لم نسمع أن د. نافع اشتكى من ظروف الحبس والاعتقال، ولم نسمع أنه أخذته (جرسة)، وكان صنديداً وفحلاً، وكان مؤمناً أنّ ما أصابه حكم إلهي وقدر لا بد منه، خاصة وأنه صاحب دين ومروءة، وعُرف عن د. نافع رغم شدته في الدفاع والاستماتة في قضيته، ولكنه كان ليِّناً في تعامله مع الصادقين من خلق الله، وخاصّةً الضعفاء منهم، وكان شديد البأس مع المستهبلين ولو كانوا في مواقع متقدمة في الدولة أو المجتمع، وعُرف عن نافع رغم كبر سنه أنه كان ممسكاً بكل صفات أهل البادية، لم نشهد له خادماً يقدم الضيافة لزائره وهو في أعلى المراتب والمواقع وفي عنفوان السلطة، ولم نر له تكبراً على الكبير والصغير، ولهذه الصفات التي ذكرتها وغيرها الكثير نعرفه عنه وعن قربٍ، وتداعى نفرٌ من أهل السودان ليس لصلة قرابة قبلية ولا لفكرة سياسية ولا لارتباط تنظيمي عقدي أو سياسي، وطالبوا بإطلاق سراحه أو عمل ضمانة له ولإخوته المحبوسين معه إلى حين انتهاء القضية والتي هم على ذمتها وهي انقلاب 1989/6/30م.
والأمر الآخر الذي يجب أن ينظر إليه الساسة أن أغلب الانقلابات العسكرية لم يحاكم قادتها مدنيين أو عسكريين، ولم تحاكم الأحزاب التي اشتركت فيها من عبود والنميري، بل الذين حوكموا تم العفو عنهم حتى يفسح المجال للتعايش بين أهل السودان بعيداً عن الانتقام وتصفية الخصومة السياسية، خاصةً وأن أمثالنا السودانية تؤكد أن الانتقام يولد انتقاماً مثله.
وكما قيل (الدرب الذي تأتي فيه راكباً.. تأتي فيه ماشياً).
ويقول أهلنا البقارة (نعال البقر جيّابة).
وهنا دعوتي الى الأخ البرهان وإخوانه في مجلس السيادة، وكذلك لساسة بلادي أن نقر التعامل الحسن، وأن نعلي قيم التسامح والوفاق، لأن لدينا مثل يقول (التسوي كريت الماعزة في القرض تلقاه في جلدها).
آمل أن نصفح ونعفي لنكون كباراً، ونجعل الحكم كبيراً في دولة كبير.. وأما إن كانت هنالك جنح فساد فالمحاكم أولى بها.