8 أكتوبر 2022 م
“يا الفي سماك مفصول، تنشاف عيان وبيان، ما عرفنا ليك وصول، وما دنيت أحيان”.. الشاعر سيد عبد العزيز..!
كان شاعر الحقيبة وفارسها “عمر البنا” على عجلةٍ من أمره وهو في طريقه لإحياء أحد الأعراس، فارتدى جلابيته دون أن يقوم بنفضها، وما أن شرع في الغناء حتى تزامن مطلع الرمية مع دخول إحدى الحسان “المشلَّخَات” إلى ساحة الرقص وهي تغطي وجهها. وكان شروع الحسناء في الرقص قد تزامن – أيضاً – مع لدغة عقرب أصابته في ظهره بعد أن ظلت قابعة بين طيات الجلابية..!
لكنه آثر أن “يركز” متابعاً ما بدأ فيه من غناء، “رجالة ساكت” ربما، أو مراعاةً لخاطر الحسناء التي كانت قد شرعت في الرقص لتوِّها، والسبب الأخير – في تقديري – هو “عين الرجالة” ذاتها. وهكذا، على الرغم من سريان السم في جسده وعلى الرغم من العرق الذي غطى جبينه أنشد فارس الغناء مخاطباً حسناء الساحة “افتحي الشَلاخ خليني أطرب، شوفي حبيباً ليك لادغاه عقرب”. أو كما قال، متوجاً صورةً زاهيةً من صور الشجاعة الفنية التي اقتضتها الحاجة بوازع من كبرياء الفارس الفنان..!
وهي ذات “الرجالة الساكت” التي تسربلت بكبرياء الشاعر في رائعة “عمر الطيب الدوش” الذي “ركز” لجلد السياط في حضرة ملهمته “وركزت شان البت سعاد، أصلي عارف جنَّها في زول بيركز وينستر”. أو كما قال في امتدادٍ نبيل لمشروع “جبر الخواطر” الذي ابتدره فارس الحقيبة. وقبلهما فعل “الطيب ود ضحوية” الذي كان عائداً من إحدى غاراته – بعد أن سلب بعض الأعراب إبلهم – فصادف في طريقه حفل عرس، فأعجبه رقص إحدى الحسان، وطفق يبشِّر ويأخذ الشبال..!
وبينما هو على حاله ذاك أقبل عليه أصحاب تلك الإبل، لكنه عوضاً عن أن يجزع أنشد مخاطباً الحسناء الراقصة “عومي ونسِّفي الفوق الفنايد ندَّى، ما ترمينا بي عرباً كتالهم هدَّه، بتشوفي نبانا وكتين الضراع يتمدَّ، عودي الرقصة عقبان السما الينقدَّا”. أو كما قال مستهتراً بالمعركة القادمة ومؤثراً مجاملة الحسناء الراقصة على القلق بشأنها، “رجالة ساكت كدا”..!
ويُقال إنّ أغنية “زهرة الروض” قد كتبت بناءً على طلب رجل كان يهوى امرأة تدعى “زهرة” خلع عليها مؤلف الأغنية لقب “زهرة الروض” بغرض التمويه، حتى لا يشك أهلها وبقية الناس فيفتضح أمرها. فتأمل بالله عليك في رجالة ذلك العاشق العذري الذي لم ينسه ازدياد الوجد حرصه على سُمعة تلك الزهرة التي أقلقت راحته وقلّلت منامه. جديرٌ بالذكر أيضاً ذلك الشروع العاطفي اللطيف في “مكاواة” الحبيبة في أغنية “سيد الاسم”. “مرات أقول أديهو كلمة تزعلو، حبة عذاب وكلام عتاب أنا عارفو ما بتحمَّلو، علشان أشوف خدو الحرير الدمعة جارية تبلِّلو، لكنِّي قبال أبدأ بي لحظات أقيف أتأمّلو”. لاحظ معي أن أجدادنا كانوا لا يفرقون كثيراً بين الحبيبات والأطفال، والسبب في ذلك هو اقتناعهم بانعدام النديَّة مع النساء، لذا فقد كانوا أكثر تجاوزاً لأخطائهن وترفقاً بهفواتهن وبالتالي أكثر حفاظاً على الزيجات والبيوت..!
لاحظ معي – أيضاً – حسن ظن ذلك الشاعر الذي أبرق، وأرعد، ثم أمطر قائلاً “متحشِّم أديب ما قصدو يغرينا، النظرات البريئة منو تكفينا، زايد في الجفا وما داير يجارينا، ومهما ضقنا ويلو برضو سارّينا ومرضّينا”. تأمّل في ردوده المتسامحة مع هفوات وصدود الحبيبة ويقينه المطمئن إلى عفافها، رغم لواعجه “المبهولة” خوفاً وطمعاً، بوازع من ثقافة ذلك العصر..!
تلك “الوصاية” الرجولية الحادبة المترفقة بالقوارير، لماذا باتت اليوم خرافةً في عداد العنقاء والخل الوفي؟!لماذا انقرضت وشبعت هلاكاً؟ هل هي دعوات المساواة الاجتماعية ومجالب النديَّة العاطفية؟ عليها اللعنة إذن..!
munaabuzaid2@gmail.com