شاكر رابح يكتب : الدين والدولة (٣)
7 أكتوبر 2022 م
عطفاً على مورد في وثيقة مشروع الدستور الانتقالي الذي أعدته اللجنة التسييرية للمحامين في نص المادة ٣/٣ والتي تقرأ على النحو التالي: (الدولة السودانية دولة مدنية تقف على مسافة واحدة من كل الأديان)، بهذا يكون المشرعون قد حسموا “علمانية” مشروع الدستور، وقد أدخلوا أنفسهم في قضية جدلية خلافية وهي علاقة الدين بالدولة، بعيداً عن الصفة القانونية والشرعية للجنة ومخالفتها للمبادئ الدستورية المتعارف عليها دولياً، وهي غير متوفرة في الوقت الانتقالي الراهن، وليست هناك جهة مفوضة من الشعب يخولها حق إنشاء وابتدار مشروع الدستور ويتطلب ذلك وجود مجلس تشريعي منتخب من عامة الشعب، كما أنه ليس من مهام الفترة الانتقالية القيام بذلك.
إمعان المشرع في عدم إيراد البسملة في صدر الوثيقة وإبعاد الشريعة الإسلامية كمصدر من مصادر التشريع، كما أن تجاهل اللغة العربية وهي اللغة الرسمية للبلد، يعد ذلك مُخالفة متعمدة للأعراف الدستورية السودانية. حيث نصت دساتير السودان الحديثة ١٩٨٥ و٢٠٠٥ على أن الشريعة الإسلامية هي مصدر من مصادر التشريع مع احترام الأديان والمذاهب الأخرى، وليس غريباً ان يعبر الدستور عن عقيدة الشعب وهويته الدينية وعن علاقة الدين بالسلطة بما في ذلك الدين المسيحي.
فات على المشرع أن الدستور هو القانون الأساسي ويسمو على كافة القوانين ويحدد مبادئ عامة دون الدخول في تفاصيل إنشائية، هذه المبادئ تتمثل في تحديد الحقوق الإنسانية وحمايتها وتحصينها ونظام الحكم رئاسياً أو برلمانياً أو مختلطاً، بيد أن ذلك المشروع أورد عبارات ومواد غريبة وغير مألوفة لدى علماء الفقه الدستوري.
يظل هناك سؤال محوري يدور في ذهني، هل يدرك دعاة العلمانية أن مذهب العلمانية كفر؟ والعلمانية غير أنها تفصل الدين عن الدولة ومن كل الشؤون المدنية التي تتعلق بأمور الحكم فإنها تعني بالضرورة الاهتمام بالجوانب المادية أكثر من الجوانب الدينية للفرد والمجتمع، وهي مذهب يدعو إلى عدم الإيمان بالدين والتنكر لتعاليمه وآدابه والانكباب على الدنيا والتركيز على الفاحشة والشهوات الحيوانية مثل الزنا والشذوذ والسرقة والخمور وأكل الربا وإنكار حدود الله، وهذا لعمري كفر صريح…!
وكثير من الدول الغربية التي يتأسى بها بعض حكام اليوم والتي تدين بالدين المسيحي قد نصت في دساتيرها على إعلاء قيمة الحياة الأسرية والاجتماعية وتعظيم دور المرأة.
وفي جمهورية إيرلندا قد عبر الدستور بعبارات دينية قوية تبرز الاعتقاد الكاثوليكي للدولة ديباجة الدستور تقول (باسم الثالوث الاقدس الذي منه تصدر السلطات واليه تنتهي حتما كل افعال الرجال والدوله).
في تقديري الشخصي ان مشروع الدستور العلماني الذي أعدته اللجنة التسييرية للمحامين فيه عيوب شكلية وموضوعية، وهو اقرب الى القانون العادي شكلاً بعدم التزامه بالمنهاج الدستوري ويعتبر سياسياً بامتياز، أما من حيث الموضوع فإن إغفاله للغالبية المسلمة لسكان السودان مع احترام الأقليات يعتبر هذا استهدافاً للإسلام في ذاته، مما يجعل منه دستوراً مُشوّهاً وباطلاً.
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل،،،