دعوة للأمل
من أخطاء النظام السابق التي أودت بحكمه إلى متحف التاريخ أن قادته كانوا يشيعون الإحباط وسط الناس بتصريحاتهم البعيدة عن الواقع والمثيرة لغضب الشارع،وحتي شعارات إراقة كل الدماء كانت بمثابة شرعنة للعنف.
الآن ذهب النظام بحسناته التي لن يذكرها أحد الآن والسيئات التي حفظها حتي أطفال المتاريس في أحياء المدينة الثائرة.
الآن ومع غروب شمس الإسلاميين في السلطة وبزوغ فجر الشيوعيين بعد أن ظن الكثيرون أن الماركسية كنظرية قد ماتت ورمى بها يلسن وغرباتشوف في بحر البلطيق، ولكنها فجأة تنبت في مقرن النيلين ويستعد السودانيون لحكم الحزب الشيوعي لثلاث سنوات مع شريك عسكري تمت محاصرته في ركن قصي ويتهدده سيف المحاكمة والعقوبات الدولية كل ساعة حتى يخضع قادته لمنظومة اليسار التي لم تكتف بما حققته لنفسها من مكاسب.
واختار الحزب الشيوعي السير على خطى الإسلاميين بإثارة الإحباط وسط الناس وإشاعة الخوف واللجنة المركزية للحزب الشيوعي تصدر بيانها الموقع باسم السكرتير العام محمد مختار الخطيب، وهي تنتقد ما أسمته بالتغييب المتعمد لما يجري في جلسات التفاوض بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، والحزب الشيوعي نجح من خلال آليات خارجية أن يأتي بواحد من عتاة الماركسيين الموريتاني محمد ولد حسن لباد المبعوث الخاص من قبل الاتحاد الإفريقي للسودان، فكيف يتعمد الرفيق لباد تغييب حزبه عن ما يجري في غرف التفاوض؟
ربما حاول الحزب الشيوعي اللعب على العسكريين وعلى بقية القوى السياسية بادعاء رفضه وثيقة الاتفاق، إمعانا في التضليل وإظهار خلاف باطن الأشياء حتى يوقع المجلس العسكري على الوثيقة من غير اعتراض على ما بها من ألغام وبنود تجعل العسكريين والمجلس السيادي مجرد شاهد قَبِل بكل حاجة.
أخبث ما في بيان الخطيب، الفقرة التي تقول (يرفض الحزب مشاركة أعضاء المجلس العسكري الحالي في أي مستوى من مستويات الحكم لأنهم مسؤولون عن المجازر التي حدثت في مناطق العمليات وفض اعتصام القيادة العامة).
هذه الفقرة تعني محاكمة كل عسكري شارك في العمليات العسكرية في الجنوب أو النيل الأزرق أو جنوب كردفان أو دارفور أي المحاكمة والحرمان بسبب أداء الواجب، أما مجزرة القيادة فبعد الاتفاق على تكوين لجنة وطنية للتحقق بشأنها، فكيف يقفز الحزب الشيوعي ويصدر حكمه قبل أن تقول اللجنة كلمتها؟
وهل مثل هذه المواقف المحبطة تساهم سلباً أم إيجاباً في بناء الثقة من أجل فترة انتقالية تعبر بالسودان من حقبة لأخرى؟
وإذا كان الحزب الشيوعي يرفع يوماً بعد الآخر كروت المحاسبة على ما جرى في مناطق العمليات من قتال بين متمردين على الشرعية وجيش وطني ينافح عن وجود ومصالح الأغلبية من الشعب، فإن الحزب الشيوعي وتحالف قوى الحرية والتغيير هو أيضا يجب مساءلته عما اقترفت أيادي حلفائه من المتمردين من انتهاكات بشعة لحقت المواطنين في الحياة، إذا كانت النوايا المعلنة محاكمة لجيش وحرمان قادته من حقهم في المشاركة في حكم بلادهم فمن يعطي المتمردين الذين ولغوا في دماء الأبرياء في أبوكرشولا وقردود أم ردمي ومذبحة الحجيرات وحجير الدوم كنانة؟
على الجميع الاستعداد النفسي لقبول الآخر والتعافي الوجداني من غير تفريط في حقوق الضحايا، ولكن مثل هذا الحديث المحبط يهزم كل بارقة أمل في الفضاء الوطني لغد أفضل لبناء وطن معافى من الضغائن
والأحقاد وشح النفوس.