حكيم نجم الدين يكتب: الدبلوماسية العسكرية: كيف تحولت رواندا إلى دولة ذات نفوذ عسكري؟
النجاحات المتتالية لرواندا في دبلوماسيتها العسكرية تضع البلاد بديلًا يمكن الاعتماد عليه إفريقيًّا نظرًا للاضطرابات الأمنية بسبب التمرد المسلح وأنشطة الإرهابيين بدول إفريقيا. كما أن الوجود العسكري الرواندي في جمهورية إفريقيا الوسطى وموزمبيق يوفر للرئيس كاغامي فرصة للتزاحم على موارد الدولتين مع الأطراف المتنافسة عليها.
عزز الجيش الرواندي من خلال تجربته في أوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية حكم الرئيس كاغامي (الفرنسية) .
تؤكد جميع المؤشرات على أن رواندا تحت قيادة الرئيس بول كاغامي قد قررت تبني إستراتيجات طموحة والعمل خارج النطاق المعهود في إفريقيا؛ إذ كانت كيغالي في الشهور الماضية متهمة بزعزعة استقرار الكونغو الديمقراطية المجاورة والقيام بأنشطة غير شرعية على أرض دولة أخرى ذات سيادة. وقبل ذلك وقعت خلافات أخرى بين نظام كاغامي ونظامي الرئيس “سيريل رامافوسا” في جنوب إفريقيا والرئيس “يوري موسيفيني” في أوغندا.
وقد استقطبت التدخلات العسكرية، أو ما يوصف بـ”الدبلوماسية العسكرية” التي تنتهجها كيغالي مؤخرًا الاهتمام؛ إذ بالرغم من صغر مساحة رواندا التي تقدر بـ26.338 كيلومترًا مربعًا وقلة عدد سكانها وأفراد جيشها، إلا أنها تمكنت من الترويج لنفسها كقوة عسكرية يمكن الاعتماد عليها في عمليات صنع السلام الإقليمي والقاري من خلال نشر قوات عسكرية إلى دول مثل جمهورية إفريقيا الوسطى وموزمبيق، إضافة إلى أنشطتها المثيرة للجدل ضد جيرانها بشرق جمهورية الكونغو الديمقراطية.
وعلى ما سبق، ستتناول هذه الورقة خصائص الجيش الرواندي بعد الإبادة الجماعية لعام 1994، وتجارب الدبلوماسية العسكرية الرواندية في جمهورية إفريقيا الوسطى وموزمبيق والخطة المقترحة لنشر قوة عسكرية رواندية في بنين، ومواقف بعض الأفارقة من طموحات كاغامي.
الجيش الرواندي بعد الإبادة الجماعية لعام 1994
كانت رواندا أحد أكبر المزودين لقوات حفظ السلام لعمليات الأمم المتحدة في إفريقيا، وهي مكانة حققتها إدارة الرئيس بول كاغامي من خلال “قوات الدفاع الرواندية” (Rwanda Defence Forces) التي تنفرد بخصائص متعددة، منها ما يتعلق بنشأتها من مجموعة لاجئين مسلحة في المنفى (أوغندا)، وكونها جماعة متمردة مسلحة قاتلت في “دولتها الأصلية” (رواندا)، وأصبحت القوة المهيمنة في سياسات ما بعد الإبادة الجماعية، عام 1994.
وتعود جذور “قوات الدفاع الرواندية” إلى “جيش المقاومة الوطني” الأوغندي؛ حيث بعد انتهاء الحرب الأهلية الأوغندية (من 1980 إلى 1986) شكَّل اللاجئون الروانديون الأعضاء في الجيش الوطني لتحرير أوغندا “الجبهةَ الوطنية الرواندية” (RPF) وفرعَها المسلح “الجيش الوطني الرواندي” (Rwandan Patriotic Army) بهدف معارضة الحكومة الرواندية وقتذاك وإحداث تغيير من خلال خبراتهم التي اكتسبوها أثناء قتالهم إلى جانب المتمردين الأوغنديين في الثمانينات.
وقد شملت الجبهة الوطنية الرواندية في أوغندا بعض مسؤولين وشخصيات معاصرة، بمن فيهم الرئيس الرواندي الحالي، بول كاغامي. واكتسب “الجيش الوطني الرواندي” -الفرع المسلح من “الجبهة الوطنية الرواندية”- هوية إثنية إقليمية بعد تصاعد الصراع في رواندا في أوائل التسعينات؛ حيث جمع عرقية التوتسي من أوغندا وبوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية بهدف الإطاحة بالنظام الذي كان يهيمن عليه الهوتو، ولوضع حدٍّ للإبادة الجماعية برواندا، عام 1994. وفي النهاية، تمكنت “الجبهة الوطنية الرواندية” بقيادة كاغامي من السيطرة على رواندا وقيادة المرحلة الانتقالية وتنفيذ برامج هادفة إلى إعادة بناء البلاد.
وقد أعقب مساعيَ استعادة السيطرة والأمن والسلام وإعادة البناء في رواندا تدخل عسكري للقوات الرواندية في جارتها، جمهورية الكونغو الديمقراطية، وذلك لمواجهة الهوتو الهاربين والمقيمين فيها والذين كانوا على استعداد لتحدي حكم كاغامي الذي يعتبرونه حكومة للتوتسي فقط. وشاركت القوات الرواندية أيضًا في مواجهات سياسية مختلفة بالكونغو الديمقراطية، بما في ذلك الإطاحة بالرئيس الكونغولي، موبوتو سيسي سيكو، وتنصيب زعيم المعارضة، لوران ديزاير كابيلا، رئيسًا جديدًا للبلاد. ودفع الانشقاق بين “كابيلا” وداعمَيْه -أوغندا ورواندا- الجيشَ الرواندي إلى محاولة السيطرة على العاصمة الكونغولية، كينشاسا، وعزَّز النظام الرواندي قبضته على مقاطعتي شمال وجنوب كيفو من خلال التحالفات وتمويل الجماعات المسلحة المختلفة.
وعلى ما سبق، يمكن القول: إن الجيش الرواندي من خلال تجربته في أوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية عزز حكم الرئيس كاغامي والذي بدوره رأى ضرورة إعادة الإدماج الاجتماعي والأيديولوجي للجيش الرواندي وتحويله من جيش يهيمن عليه التوتسي إلى جيش وطني يجمع جميع العرقيات الرواندية. ولذلك، أعيدت تسمية “الجيش الوطني الرواندي” باسم “قوات الدفاع الرواندية”، عام 2003، وضمت قادة سابقين من الهوتو ومجندين حديثًا إلى جانب القوات من التوتسي.
جدير بالذكر أنه بالرغم من أن المعادن المنتجة في رواندا تشمل التنتالوم وخام القصدير والتنجستين والذهب؛ إلا أن موارد البلاد المعدنية قليلة نسبيًّا مقارنة بمعظم الدول الإفريقية منتِجات المعادن. وهذا يعني أنه على حكومة كاغامي بحث طرق عملية لتمويل نفسها وتعزيز صورتها على المستوى الإقليمي والعالمي فاعلًا إقليميًّا مؤثرًا. ويبدو أن الدبلوماسية العسكرية واحدة من هذه الإستراتيجات حيث تولت “قوات الدفاع الرواندية” دورها الجديد، عام 2005، أداة لتحقيق أجندة كاغامي؛ بدءًا من العمل الناجح تحت رعاية الأمم المتحدة والذي أكسب القوات الرواندية ثناءات كثيرة على مهاراتها واحترافية عملياتها وانضباطها الذي يختلف عما يُعتاد في وحدات حفظ السلام الأخرى.