كثر الحديث في الآونة الأخيرة حول مستويات الحكم في الفترة الانتقالية، وهناك كما هو معلوم اليوم لوبيهات وجماعات تعمل ليل نهار وتجتهد في سلب كل صلاحيات الحكم في الفترة الانتقالية ووضعها في يد قوى الحرية والتغيير، وهذا إن قدِّر له أن يصبح فعلاً واقعاً، فإنه يضر بالممارسة السياسية في البلاد وسيخلق إشكاليات كبيرة ربما تعيدنا للمربع الأول، ولذلك يجب مراعاة الأشياء الآتية، أولها احترام ما تم التوصل إليه من اتفاق برعاية الوسطاء، وهذه مسألة مهمة توفر على الطرفين المجلس العسكري والحرية والتغيير عدم الانحراف في تفسير الاتفاق عن الأسس التي وضعت عليها الوساطة الأفريقية مسودة الاتفاق. المسألة الثانية التراجع عن المحاولات الجارية الآن لوضع كل السلطات في يد الجهاز التنفيذي وتجريد المجلس السيادي من أي سلطة، هذا المسار سيعرقل العلاقة بين الطرفين أيضاً، من المهم منح المجلس السيادي لكونه رأس الدولة صلاحيات إعلان الحرب والسلم وتشريف البلاد في المحافل الدولية والإقليمية وتعيين رئس الوزراء والسفراء والمصادقة على الميزانية العامة للحكومة.
أما المجلس التشريعي فينبغي أن تكون سلطته في حدود مراقبة الجهاز التنفيذي فقط، لكون أي صلاحيات في التشريع هي من صميم عمل المجلس التشريعي المنتخب، وحتى لا يسبق أحد الانتخابات ويتدخل في صميم عمل الحكومة المنتخبة، فإني أرى أن السلطة الانتقالية، يجب أن تعمل في إطار صلاحيات محدودة لتسيير دولاب العمل والإعداد للانتخابات وتهيئة الأطراف للسلام وإنعاش الاقتصاد في إطار برنامج محدد يتفق عليه بين مجلس السيادة ومجلس الوزراء، بعدها نحن غير مهمومين بمن يتولى رئاسة مجلس الوزراء، طالما إطار العمل والمنهجية للفترة الانتقالية متفق عليها.
أن الجدل في هياكل ومستويات الحكم ينبغي ان تكون سبباً في المضي قدماً في إنفاذ الاستحقاق الانتخابي الذي تنتظره كل القوى السودانية، ويتابعه ويراقبه المجتمع الدولي، أرى أن السودانيين يستطيعون تجاوز خلافاتهم والخروج بتجربة قوية تُعلّم الشعوب. فنحن الشعب المعلم، وكم علّمنا الأمم، لا ندعي أننا بلا عيوب، لكننا قادرون على تغيير واقعنا غذا صفت النوايا وتأكد العزم.
نقول مجدداً، أنه ليس من الحكمة في شيء ان تعمل بعض الأيادي المحسوبة على قوى التغيير في اتجاه تجريد المجلس السيادي من أي سلطات، خصوصاً في فترة الانتقال، لأن المجلس وقوى التغيير في الوقت الراهن هما الطرفان الرئيسيان في اتفاق الوساطة الأفريقية، وتجريد مجلس السيادة يعني باختصار ترجيح كفة طرف على الطرف الثاني، وبالتالي تصبح الكفة غير متعادلة في إدارة الفترة الانتقالية ويتحقق الانفراد لقوى التغيير بالحكم، وهذا باختصار سيجعل القوى السياسية تُشكك في كل تراتيب العملية الانتخابية، ولذلك فإن وجود مجلس للسيادة بصلاحيات حقيقية، هو الضامن لشكل الحكم وممارسته في فترة الانتقال، ينبغي على أطراف الحرية والتغيير التفكير بتروٍّ في هذه المحور لأن التجاهل والتفريط فيه، ربما ينسف كل الجهود التي بذلت لترتيب الحكم في الفترة الانتقالية.