“العسكري” و”التغيير”.. اتّفاقٌ على “الاتّفاق”
الوسيط الأفريقي.. اليوم تتم المُصادقة على الإعلان الدستوري
الخرطوم: أماني أيلا – النذير دفع الله
كان مساء أمس الأول “الخميس”، مشحوناً بالأحداث والتّوقُّعات والتّرقُّب، ففي الوقت الذي كان وفدا “المجلس العسكري الانتقالي” و”قِوى إعلان الحُرية والتّغيير” يَعملان على تقريب المَسافات وتحقيق تفاهُمات حول الاتفاق السِّياسي بينهما، تحت نظر الوسيطين الإثيوبي والأفريقي بفندق كورنثيا، كان رئيس اللجنة الأمنية بالمجلس العسكري الفريق ركن جمال عمر يُعلن عبر شاشة تلفزيون السودان، عن إحباط مُحاولة انقلابية جديدة حاول عدد من الضباط بالخدمة والمُتقاعدين القيام بها، وبعيداً عن تأثير نبأ هذه المُحاولة على سير المُباحثات، إلا أنّها زادت من حَالة عدم التّفاؤل، التي كان قد عبّر عنها عددٌ من النّاشطين والمُواطنين عبر وسائط التّواصُل الاجتماعي، بيد أنه ما يقارب الساعات العشر من الاجتماع بين الوفدين، خَرَجت الوساطة بتصريحٍ مُقتضبٍ لم تكشف فيه عما ينتظره الرأي العام، وهو تَحديد مَوعد التّوقيع النهائي، وإنّما أكّدت أنّ الطرفين اتّفقا على المُتّفق حوله أصلاً، وحددا موعداً جديداً اليوم السبت للتّباحُث حول الوثيقة الدستورية.
عناء الانتظار
يمضي زهاء المائة صحفي، ساعات طويلة عند كُلِّ مواعيد يتم ضربها لإعلان اتّفاقٍ جديدٍ أو تسليم وثيقة، وقد اعتادوا على ذلك، حتى إنهم لم يبدوا مكترثين كثيراً للتّأخير الذي لازم جَلسة الخَميس، وبالرغم من أنّ الإعلاميين تحدّثوا عن “طُولة بال” طرفي التّفاوُض، إلا أنّهم يعتقدون أنّ بيد المجلس العسكري حسم مسألة هذا التّأخير من واقع تَصريحاته والتزاماته الدّائمة والمُتجدِّدة بإنهاء الوضع الحالي والانتقال إلى حُكومة مدنية تسيِّر شأن البلاد.
وكما هو الحال داخل قاعات فندق كورنثيا التي ضَجّت بحركة المُتفاوضين والإعلاميين، فإنّ من بالخارج أيضاً كانوا ينتظرون وهُم على أمل انتهاء هذه “الدّوامة” التي استنزفت الكَثير من الوَقت، وألا تكون هذه جولة أخرى من التّفاوُض غير المُثمر، فقد مَرّ أكثر من أُسبوعٍ على إعلان اتّفاق الطرفين فجر الجمعة قبل الماضي، ولم يُحَدّد موعد التوقيع النهائي حتى اللحظة.
تَسليمٌ أم تَوقيعٌ؟
النبأ الذي سَرَى بسرُعة عبر وسائط التّواصُل الاجتماعي والمَنَصّات الإعلامية، أحدَثَ أثراً سريعاً، فما أن أُعلن عن تَوقيع اتّفاقٍ بالأحرف الأولى بين “العَسكري” و”الحرية والتّغيير” حتى تَزاحمت وتَراصَت كاميرات وأجهزة تسجيل وكالات الأنباء والصُّحف المَحليّة والعالمية بالمركز الإعلامي بفندق كورنثيا، وهو الانتظار الذي استمر لساعاتٍ طويلةٍ، ورغم الانتظار الطَويل، إلا أنّ المَحصلة كانت أقل مِمّا تستهلكه من مشاعر الانتظار، واحتراق الوجدان واعتصاره في مُتابعة المُفاوضات المُتطاولة.. صحيحٌ يبدو الأمر هنا قاسياً بسبب الانتظار، لكن أيضاً هنالك ما هو أشدّ وطأةً، فبعد أن أُعلن عن تَوقيعٍ بالأحرف الأولى، سُرعان ما تمّ نفي النبأ بخبرٍ آخر يُؤكِّد أنّه سيتم تسليم للمسودات فقط.
ترقُّب وأوقاتٌ ضائعةٌ
الأوقات الكثيرة التي مرّت، والطرفان يتباحثان حول نقاط مُتّفق عليها مُسبقاً، دَفعت كَثيرين إلى إثارة قَضية مَدَى اهتمامنا في السُّودان بقيمة الوقت، فقد منحت الوساطة فرصة (24) ساعة للطرفين “السابعة مساء الخميس بدلاً من السابعة مساء الأربعاء”، وبالرغم من انتهاء المَوعدين، إلا أنّ ما تَحَقّق لا يتناسب والوقت المُهدر، وسيتطلّع الإعلاميون والوساطة والرأي العام العالمي والمحلي إلى الثامنة مساء اليوم السبت، لعلّها تأتي بالخبر اليقين، وتَحسم ما تبقّى من نقاطٍ، فالمُلاحظ أنّه بين النقطة والأخرى في ثنايا الاتّفاق يتعثّر التّفاوُض، وبالتالي يبدّد وقتاً غالياً من عُمر الوطن والمُواطن.
قَلقٌ مُبرِّرٌ
مساء الخميس، وبعد مرور حوالي ساعتين بعد بدء الاجتماعات، بدأ النعاس والرهق يتسلّل إلى الصحفيين، ولا أمل أمامهم غير تزجية الوقت بالنقاشات الجانبية والتّكهُّنات، وتفحُّص مكان اجتماع الطرفين بين الفينة والأخرى عسى أن يكونوا قد أدركوا الاتّفاق، البعض اتّخذ من المَنَصّة الرئيسية ساحةً لتمثيل دَور المُفاوضين والتّصريح فيها، ففي الوقت الراهن لا عزاء إلا بالتمثيل، فالحقائق في أضابير التّفاوُض وهي مَولودٌ ينتظر الصيحة الأولى.
تسريبات
ساطع الحاج عُضو وفد التّفاوُض عن “الحرية والتغيير”، خرج مُسرعاً من إحدى الغُرف لأخرى، لكن فشل الإعلاميون الحاضرون في الحُصُول على معلومةٍ منه، وكان يبدو أن ّالماراثون على أشدّه، ولم تَرد قيادات “الحرية والتغيير” طوال الليلة على أسئلة من التقوهم، وعلى غير العادة، على هواتف مُعظم الصحفيين، كما قالوا وهو ما أثار القلق إزاء عدم الاتّفَــــــــــاق.
مَوعدٌ جَديدٌ
وبعد تجاوُز الساعة لمنتصف الليل بكثيرٍ، تباينت الأفكار إزاء هذا التّأخير فوق المُعدّل، ففيما اعتبر البعض أنّه دليلٌ على رغبة في حَسم القضايا كافة، ومُؤشِّر على حُدُوث تفاهُمات، رأى آخرون أنّه دليلٌ على تعنُّت وصعوبات في التّواصُل والتفاهُم حول المطروح من موضوعاتٍ، إلى أن خرجت الوساطة وقطعت الشك بيقين التصريح المُقتضب الذي ذَكر القليل ولم يشفِ الغليل، بعد الثالثة صباحاً.
تصريحات الوسيط
بعد مُرور أكثر من تسع ساعات قضاها طرفا التّفاوُض بين المجلس العسكري وقِوى إعلان الحرية والتغيير داخل ردهات فندق كورنثيا امتدت حتى فجر أمس الجمعة، ليخرج بعدها مبعوث الاتحاد الأفريقي محمد الحسن ولد لبات عقب نهاية اجتماع الوساطة قائلاً للصحفيين ووسائل الاعلام، إنّ طرفي الاتفاق قد توصّلا إلى اتفاقٍ كاملٍ بشأن الإعلان السِّياسي المُحدّد لمراحل الفترة الانتقالية كَافّة، وأكد لبات أنّ الوفدين اجتمعا في جولةٍ ثالثةٍ للمُفاوضات، واتّفقا اتفاقاً كاملاً على الإعلان السِّياسي المُحدد لهيئات المرحلة الانتقالية كَافّة، وأكّد أنّ ذلك تمّ في جوٍّ أخوي وبنّاءٍ ومُثمرٍ، وكشف عن اجتماعٍ جَديدٍ بين الجانبين اليوم السبت لدراسة المُصَادَقَة على الوثيقة الثانية وهي “الإعلان الدستوري”.
ويتوقّع مراقبون أن تكون جلسة اليوم حاسمةً، خَاصّةً وأنّها تتزامن مع جدولٍ مُعلنٍ لمواكب “أربعينية شهداء ساحة الاعتصام”، كما أعلنت “الحرية والتغيير” أنّ الأسبوع سيكون حافلاً بالفعاليات الجماهيرية والثّورية لتخليد ذكرى شُهداء الثورة والتأكيد على تَحقيق العدالة.
ازدواجية المَواقف
كما هو الحَال في كل الاتّفاقيات السُّودانية، دائماً ما تتكشّف عُيُوبها بعد الإعلان عنها مِمّا يحدث خللاً حول الإسراع في تنفيذ وتطبيق تلك الاتفاقات، بل والعودة بها مرةً أخرى الى مربعها الأول لإجراء مزيدٍ من التشريح والتدقيق وهو ما حَدَثَ حول وثيقة الاتّفاق بين المجلس العسكري وقِوى إعلان الحرية والتغيير التي تَمّ التعليق عليها مرة أخرى بعد إعدادها من أجل التوقيع النهائي عليها، ولكن اكتشاف بعض مكامن الخَلل داخل الوثيقة لما تحمله بعض الكلمات الإنجليزية والعربية من ترادفٍ هو ما خشي منه الطرفان حول إمكانية استغلال تلك المصطلحات لاحقاً, مما دعا الطرفين طلب كتابتها باللغة الفرنسية, هي خطوة ربما تحمل في جوفها بعض الشكوك بل ما وصل إليه الطرفان من انعدام الثقة أو خشية زوال جانب الثقة الموجود لاحقاً وازدواجية المواقف..!
حول الوثيقة
أمّا مَا جَرَى بشأن الوثيقة، يقول المُغيرة البشير رئيس تجمُّع الشباب الثُّوّار المُستقلين الأحرار لمنطقة أم درمان لـ(الصيحة)، إنّ الوثيقة تم إرجاعها لعدة أخطاءٍ، ومنها أنها كُتبت باللغتين العَربية والإنجليزية، وكان يجب كتابتها باللغة الفرنسية والتي تعتبر اللغة الرسمية لكتابة المُعاهدات والاتّفاقيات، وأضَافَ المُغيرة أنّ الاتّفاق مَارَسَ الإقصاء بفاعلية على الأرض، وقال إنّنا مع كل اتّفاق يحقن دماء أبناء الوطن ويُجنِّب الناس مَزيداً من إزهاق الأرواح ويُساعد على إحداث التنمية والرخاء وتخفيف أعباء المعيشة، وأكّد المُغيرة أنّ الاتّفاق بهذا الشكل لن يمضي للأمام وسيموت سريرياً، كاشفاً عن وجود قوةٍ كبيرةٍ وفاعلةٍ على الأرض لها رأي في هذا الاتّفاق، فَضْلاً عَمّا حدث من هرجٍ ومرجٍ من قِوى إعلان الحُرية والتّغيير بسبب الإقصاء الذي سيؤدي إلى عملية احتقانٍ سياسي في البلد، مُشدداً إذا مورس الإقصاء على هذه الطريقة، ستظهر مسيرات وتَظاهرات أخرى في البلد سيرى معها الناس من هم الثوار الحقيقيون، وأوضح المُغيرة أنّ المسيرات المُزمع خُرُوجها يومي الثالث والرابع عشر بغرض أربعينية الشهداء هو ما يُعرف بالمُراهقة السِّياسيَّة، إذ كيف تُجرى عمليات التّفاوُض والاتّفاق من جانب، وفي الجانب الآخر أنت تخرج للشارع في مسيراتٍ مختلفةٍ، مُبيِّناً أنّ الرؤية أصبحت ضبابية لقِوى إعلان الحرية والتغيير، حتى إنهم لا يعرفون أين يضعون أقدامهم، إذ تارةً مع الاتّفاق والمكاسب الحزبية، وتارةً أخرى مع الشارع والفتن، ولكنهم استغلوا دماء الشهداء.. كان الأجدر أن تتم مُعالجة وضعية الشهداء داخل الاتّفاقية والمُطالبة بمُحاسبة المُتسبِّبين في قَتل أولئك الشُّهداء.