منى أبو زيد تكتب : في أنْسَنة الفكرة..!
1 أكتوبر 2022م
“العقل العظيم لا يحمل نوعاً”.. كولريدج..!
السيرة الذاتية، والملامح الشخصية لكل واحدة من النساء اللاتي حملن جائزة نوبل تثبت حيادها النوعي وكفاحها الحكيم الذي يعبر سياج الأنوثة إلى رحابة الانتماء الإنساني الجليل. ولكن على الرغم من تلك السير والبطولات لا تزال بعض نجاحات النساء مقرونة بالدهشة وكأنها استثناءٌ. والسبب – في تقديري – هو إصرار المرأة نفسها في مُعظم الأحيان على “تأنيث” حُضُورها الفكري والمهني..!
صورة المرأة في العمل العام – كانت ولا تزال – تتأرجح بين نوعين من الحضور، تمثيل “نسوي” وتمثيل “نسائي”. حضور قلق، متشكك، متربص بالآخر، يركض خارج الزمن، وآخر متأمل، واثق، لا يحفل بالنوع بل يعمل للتاريخ ويؤمن بعظمة العقل الذي لا يحمل نوعاً. سيدة تدعو بنات جنسها إلى الكفاح لأجل “التميُّز”، وأخرى لا تزال تدعوهن إلى الكفاح ضد “التمييز..!”
نلاحظ أن العالمة أو الأستاذة الجامعية أو الكاتبة أو مقدمة البرامج التلفزيونية التي تمتلئ بحضورها الإنساني لا يختزل المتلقي أبداً مشروعها في صورة الأنثى مهما بلغ جمالها، ولكن إن هي انطلقت من كونها أنثى وظلّت تلوح بهذا المعنى “وهو أمرٌ تفعله الكثيرات دونما وعي في الغالب” فالمتلقي لن ينفذ من إطار الصورة إلى عُمق الطرح مهما بلغ ثراء ما تقدمه من علمٍ أو فكرٍ. فالحكم هنا سهلٌ ممتنعٌ لأنّه متوقفٌ على ما تريد المرأة أن تكونه حقاً في ذهن الآخر..!
على أن تورط المرأة في تأنيث حضورها العام لا ينحصر فقط في تأنيث السيرة والسلوك، بل يعبر إلى الأفكار والمنهجية التي تحكم أطروحات وقضايا النوع، من تأنيث الفضائل وتذكير الشرور، ولسان الحال جملة سعاد الصباح الشعرية الطائشة إياها “إن الحضارة أنثى والطغاة ذكور”..!
نساء نوبل بلغنها لأنهن لم يشعلن الدهشة يوماً بوقود الأنوثة، بل بحضورهن الإنساني الذي يُخاطب في الآخر وعيه وينقل الحماسة ويُروِّج للفكرة بعيداً عن حسابات النوع. “أنسنة” الأفعال هي تيرمومتر وعي المرأة والرجل على حد سواء، وهي مقياس مسيرة كل منهما على مدارج الفكر المستنير..!
دعنا نأمل أن يأتي يوم تفوز فيه نساء أُخريات بجوائز أخرى للسلام، فلا يُصاب العالم بالدهشة، لأنّ امرأة جاهدت مثل الرجال. وإن وجدتْ الدهشة فلأنّ شابة شجاعة حقّقت منجزات أكثر من سنوات عُمرها، أو لأنّ مُواطنة مُناضلة في بلد غير ديمقراطي غيّرت مجرى السياسة والتاريخ. إنسانة تفوّقت على بقية أناس، وليست امرأة تفوّقت على بقية الرجال..!