الجثث بالمشارح.. أزمة لا تبارح مكانها
تقرير: عفراء الغالي 29 سبتمبر 2022م
قرار سيادي بتشريح الجثث المكدَّسة بالمشارح لدفنها
عادت أزمة دفن الجثث المجهولة إلى الواجهة مجدَّداً عقب كثير من الجدل حولها، لا سيما أن السلطات كانت قد اتخذت قراراً بدفن نحو (300) جثة، و إصدار قرار ببدء تشريحها، الأمر الذي أثار ضجة واسعة بين عدد من الكيانات حوالي (18) كياناً، (أسر الشهداء ومبادرة المفقودين)، حيث حملوا لافتات طالبوا فيها بعدم التشريح إلا بحضور جهات دولية للمراقبة، ظناً أن هويات تلك الجثث تعود إلى ثوار مفقودين وشهداء الثورة، حيث نظَّمت عدد من الكيانات وقفة احتجاجية لمنع التشريح والدفن دون رقابة دولية أمام النيابة العامة.
وأثار قرار النائب العام مبارك محمود، بدفن الجثث بلا تحليل هوياتهم غضب أسر الشهداء والمفقودين فنفَّذوا وقفة احتجاجية كان شعارها (الدفن بلا عدالة ضياع لحقوق المفقودين)، ينادون فيها بحقوقهم في تحليل ومعرفة هوية الجثث قبل إجراء عملية الدفن، ظناً منهم أن المفقودين بين تلك الجثث المتكدِّسة، كما أكدوا، أن القرار محاولة لطمس الحقائق وإخفاء المعالم .
وتعود تفاصيل تلك الجثث إلى نوفمبر 2019م، عندما أصدرت النيابة العامة قراراً بمنع دفن أية جثة مجهولة الهوية من دون تحقيق، إضافة إلى إنشاء مقابر خاصة بالمجهولين، وأدى التأخر في تنفيذ القرارات المطروحة إلى تكدُّس آلاف الجثث في مشارح الخرطوم المختلفة، وأسهم انقطاع التيار الكهربائي في المستشفيات إلى فضح الأمر بعدما أدى تحلُّل الجثث إلى انتشار رائحتها في الأحياء المجاورة.
وبسبب روائح الجثث التي وصلت للبيوت اعتصم أهالي المنطقة المتضرِّرون بالقرب من المشرحة، وطالبوا بإزالتها فوراً أو التخلص من الجثامين ودفنها.
ولقد تقدَّم حوالي (18) كياناً، بمذكرة إلى النائب العام للتصدي لهذا القرار، مؤكدين على مطالبهم بحقوق أسر المفقودين وذوي الضحايا، لحفظ كرامة الإنسان السوداني وتحقيق العدالة.
وطالب البيان بعدد من الطالب أبرزها
تكوين لجنة للتحقيق فيما توصلت إليه اللجنة التي تم تكوينها للتحقيق في اختفاء الأشخاص الذين اختفوا في أو بعد 3 يونيو 2019م، وتم منحها اختصاصات النيابة العامة الواردة في قانون الإجراءات الجنائية وقانون النيابة العامة لسنة 2017م.
وأشارت لجنة المفقودين إنها تدرك تماماً إن حفظ كرامة الموتى مسألة شرعية وعقيدة دينية وتقر بضرورة دفن الجثث لكنها في ذات الوقت لن تتهاون في حفظ حقهم وحق ذويهم.
الطب العدلي
أكَّد رئيس المجلس الاستشاري للطب الشرعي بوزارة الصحة الاتحادية د. عقيل سوار الذهب، عدم التراجع عن تشريح ودفن الجثامين مجهولة الهوية بمشارح الخرطوم.
وقال سوار الذهب في مؤتمر صحفي بوكالة السودان للأنباء، إنهم سائرون في تنفيذ المهمة وتشريح ودفن الجثامين وفقاً للأخلاق الطبية ولن يوقفهم شيء، وحمّل سوار الذهب، القرار الصادر من هيئة الطب العدلي بالصحة الاتحادية بتوجيه من لجنة التحقيق في اختفاء الأشخاص- لجنة المفقودين- بعدم دفن الجثامين، مسؤولية تكدُّسها في المشارح بالعاصمة وتفاقم أعدادها من“ 300 ”إلى“ 3 ” آلاف جثمان.
من جانبه، قال استشاري طب الأسنان الشرعي د. خالد محمد خالد، إنّ عملية تشريح ودفن الجثامين التي كان مقرراً البدء في تنفيذها الأول من أمس، تم تأجيلها لمزيد من التشاور مع أُسر المفقودين لفترة مُحدّدة، ووصف خالد اتّهام مؤسسة الطب العدلي ككل بعدم المصداقية بأنّه غير منطقي ومقبول، وقال إنّه لا ينكر وجود أطباء فاسدين تسبّبوا في إعطاء معلومات مضللة عن بعض الشهداء والمفقودين، ولكن هناك أطباء ساهموا في اكتشاف والعثور على جثامين العديد من المفقودين، وتابع:” بقاء الجثامين في المشارح أكثر من ذلك طمسٌ للحقيقة بصورة أكبر”.
من جهته، تخوَّف استشاري الطب الشرعي والسموم د. محجوب بابكر، من تفشي مرض الطاعون في المناطق القريبة من المشارح، وقال إن مشرحة بشائر المأهولة بفأر (الفقر) جرّاء تكدُّس الجثث لسنوات تبعد“ 100 ”متر فقط، من غُرف العمليات و”250″ متراً، من مركز خاص بغسيل الكُلى، ولفت إلى أنه بات من المُستحيل إيجاد “ 23 ” مفقوداً ضمن الثلاثة آلاف جثة بالمشارح.
بينما رفض الأمين العام لمنظمة أسر شهداء ثورة ديسمبر أبو بكر عمر، بشدة قرار دفن الجثث بالمتكدِّسة بالمشارح بلا تشريح وكشف هوياتهم، قائلاً: إن هذه المسألة إن تمت إنما تدل على إخفاء معالم وآثار قضية المفقودين، مستغرباً كيف لدولة أن تقوم بإصدار مثل هذا الأمر بلا تحليل، لافتاً إلى أن النائب العام السابق الحبر أصدر أمراً بتحليل الجثث، حيث جاء بخبراء عالميين لتحليل الجثث وقبل البدء والمضي في الخطوات قام النائب العام الحالي مبارك محمود، بإلغاء التشريح وتحليل الجثث، إضافة إلى رجوع الخبراء والأطباء إلى ديارهم، وظلت الجثث بالمشارح بلا تشريح،
قائلاً: نعم إن وجودها بمثل هذا الكم الهائل بالمشارح يعد كارثة بيئية فعلاً، لكن كيف وصل الأمر حتى هذا العدد؟ أين المسؤولون؟ وإذا الدولة ليس لها القدرة والمواعيد الكافية لاستيعاب هذا الكم لماذا لم تقم بدفنهم طيلة الأربع سنوات؟ لافتاً إلى أن المشارح وفي تاريخ البلاد لم تحضن مثل هذه الجثث من قبل وهذا أمر يدل على أن تلك الجثث تعود إلى مفقودي الاعتصام والثورة ديسمبر المجيدة، إذا كانوا عدداً كبيراً جداً منهم من تم دفنهم في مقابر جماعية وآخرين تخلصوا منهم والموجودين بالمشارح جزء منهم.