28 سبتمبر 2022م
قلنا في مقالاتنا أزمة الحكم في السُّودان (1) و(2) و(3) و(4)، إنّ أزمة الحكم منذ الاستعمار وحتى يومنا هذا وهي متشعبة، حيث لا دستور متفق عليه، ولا نظام حكم وجد قبول أهل السُّودان، ولا عقد اجتماعي يتفق فيه على ثوابت الأمة، ولا أحزاب سياسية ديمقراطية بالمعنى العالمي المعروف، وانقلابات عسكرية خلفها أحزاب، كلما أُبعد حزب من السلطة زعل وقام بتحريض بعض قيادات الجيش للقيام بانقلاب، يعيش لبرهة مع من جاءوا به ثم ينقلب على صناعه، والجميع يذهبون إلى المعارضة، ثم تقوم ثورة وتضيع إما بالسرقة أو بالاحتيال أو بالانتهازية الحزبية أو بالأجندات الخارجية، ثم تقوم انتخابات ديمقراطية شكلاً وغير ذلك مضموناً، ومع ذلك بسرعة ينقلب عليها، ثم تظهر حركات مسلحة تدعي أنها تحمل السلاح من أجل توزيع الثروة والقسمة العادلة للسلطة، ولكنها إما جهوية أو قبلية أو عنصرية أو محركة من دوائر خارجية.
هذه الأمراض جعلت الحكم في السُّودان في أزمة، والبلد والشعب يعيش في الدرك الأسفل في المعاش، والخدمات مع وفرة الموارد كماً ونوعاً وقيمة.
أزمة الحكم في السُّودان وهي متطاولة ومستحكمة حتى دخلنا في مرحلة فقر الدم الوطني، خاصةً أنّ الصراع محتدمٌ جداً بين أقصى اليمين وأقصى اليسار، وزادت الأزمة أكثر تعقيداً بالتدخل الخارجي الأجنبي صاحب الأجندة الخبيثة، مستغلاً في ذلك بعض أبناء السُّودان، مستعملاً هؤلاء كرابيج لجلد الوطن، وأي حكومة قائمة.
هذا التدخُّل الأجنبي صاحب الأجندات الخبيثة عطّل الحياة العامة والسياسية، وأضاع القرار الوطني، ونصّب سفراء بعض الدول الغربية والعربية أنفسهم حكاماً للسودان، مُخالفين في ذلك القوانين والأعراف الدولية، وصاروا يتدخّلون في كل شيء حتى في اختلاف امرأة وزوجها تجد سفيراً وراء ذلك.
وهذه السفارات من شدة تمكنها من الوطن، قسّمت أبناء الوطن وأحزابهم إلى قريب وبعيد، وسمعنا بآلية ثلاثية تجتمع وتتفرق وتختلف وتصدر البيانات، وتلتقي بما ترغب ممن يسايرونها في خطوطها وأغراضها، وتعزل آخرين ومن ثم يختلفون، كل يكذب الآخر.
ثم هنالك رباعية نصّبت نفسها مصلح تجمع العسكر مع مكونات سياسية ذات ارتباط بهؤلاء الدبلوماسيين، بقي فقط أن يُقسِّموا أهل السُّودان إلى فلول وثوار، وصار أهل السُّودان أجانب وهم الوطنيون، وصار وطننا مسروقاً ومُختطفاً من هؤلاء الأجانب بحجة أنهم مصلحون، بل وصلنا أن هنالك بعثة أممية جاءت بخطاب من حكومة سُودانية دون موافقة أهل السُّودان لتكون سيدة على الشعب السُّوداني، وصرنا نرى سفراءً يُشاركون في اجتماعات ناشطين وساسة وعلى عينك يا تاجر، بل صرنا لا نستطيع أن نفرق بين الوطني والأجنبي.
إذن أزمة الحكم في السُّودان الآن صارت أكثر خطورةً وتعقيداً، كنا نتكلم عن حكم وطني متراضٍ عليه وعلى فترة انتقالية وفق برنامج ودستور متفق عليه، ولكن الآن بدأنا نبحث عن كيف نُخلِّص بلدنا من هذه التدخلات الخارجية، وكيف نبعد هذا الاستعمار الجديد والذي يغش فينا أنه يعمل على مساعدتنا في التحوُّل الديمقراطي، وهو يعمل لتفتيت بلدنا وتقسيمنا ليسهل له التحكم فينا وفي مواردنا، بل في قرارنا، بل حتى يغيِّر قيمنا وسلوكنا وثقافتنا، حتى ديننا صار في خطر!
إنّ التدخل الأجنبي في السُّودان صار أس الأزمة، نعلم أن العالم يساعد في قضايا معلومة، ولكن الذي يحدث في السُّودان تدخل خبيث ومدمر، وفيه عناصر تخريب السُّودان.
الكلام عن حماية الدولة المدنية والمُساعدة في التحول الديمقراطي كلها كذب، الذي ينفذ ويعمل فيه عكس ذلك، وصلنا مرحلة السعي إلى تفكيك المؤسسة العسكرية وخلق فتن بين مكونات الأجهزة العسكرية والأمنية.
والتحريض المباشر للصدام بين هذه الأجهزة، خاصة وأنّ القوات المسلحة هي المؤسسة الوحيدة لضمان وحدة البلد.
على العموم، نحن الآن في أزمة بقاء الوطن ذاته وليس الحكم، بدأنا نتخوّف على بلادنا من الخطر القادم، خاصة وأنّ شواهد العالم تؤكد تخوفنا (أين اليمن وأين العراق وأين ليبيا وأين سوريا وأين… وأين…)؟
أعتقد أننا نحتاج أن نوقف هذه التدخُّلات الخارجية عبر سفراء أو مبعوثين أو بعثات في شأن بلادنا. وفي تقديري أن هذا التدخل الأجنبي لن يحقق ديمقراطية، ولن يبقي لنا وطناً، ولن يخدم مصالح بلادنا ووطننا، ويعقد الشأن السُّوداني لصالح أجندات هذه الدول!!
ولذلك أزمة الحكم الآن أكبر مما نتصوّر، لأنّ التدخل الخارجي صار عميقاً ومضراً وبمساعدة بعض أبناء السُّودان!!!
دعوتي للسُّودانيين عامة، توطين القرار الوطني، ومن ثم نعالج أزمة الحكم في السُّودان بالتراضي الوطني
وذلك ممكن قبل الفأس يقع على الرأس.
ألا يكون لا وطن وبأيدينا خربنا وطننا، وساعتها لا ينفع الندم.
إلا هل بلغت.