كثير من مؤسساتنا في القطاع العام لا تستجيب إلى التحديات وسرعة الحراك من حولها، ولا تجيد فن التعاطي الإيجابي معها وفق مقتضى الحال والمآل، ومن المعلوم بالضرورة هو كيف يبدأ تدرج وتمظهر الأزمة في السودان، وهي تبدأ في مراحلها الأولى بالإشاعة وصناعة وتسويق معلومات غير صحيحة تصدر من جهات لها أهداف يقابلها بطء الحركة من المؤسسات المتوقع منها سرعة الاستجابة وعلى الرغم من الأحداث والأزمات التي تعيشها بلادنا وتصاعدها والتصعيد المتزامن، معه تصدر إشاعات لا تخلو من هدف وغرض سياسي مفادها أن المجلس العسكري الانتقالي قد أمر بزيادة الرسم الجمركي لـ (57) سلعة.
سرت الإشاعة وسط المجتمع كالنار في الهشيم، واستعرت الأسواق ناراً بسبب الوسطاء والمضاربين الذين أطلقوا الإشاعة ويقفون خلف أدوات تحريكها لصالح سوق السيارات الذي عانى من حالة الركود وتراجع الأسعار ثم توظيف الإشاعة لرفع سعر الصرف في العملات الأجنبية التي بدورها تحرك كل الأشياء الأخرى ومعلوم عندما يتحدث السوق يصغى إليه الجنيه السوداني بأدب.
كل ذلك بينما عجزت إدارة إعلام الجمارك في تقديم رواية مغايرة تؤكد عدم رغبة هيئة الجمارك في زيادة الدولار الجمركي، ولم تقدم إدارة الإعلام مذكرة إعلامية تفسيرية للتنبؤ والاستشراف لمآلات وتوقعات نتائج الإشاعة وأثرها المباشر، واكتفت بالصمت المعيب حتى تسببت الإشاعة في فوضى السوق وجنونه، ولم تمض مسافة زمنية طويلة حتى حاورت صحيفة الصيحة يوم الخميس 4 يوليو 2019م نائب رئيس الغرفة التجارية سمير أحمد قاسم الذي أكد بدوره الإشاعة وأضاف إليها قوله: (المستوردون فوجئوا بزيادة الرسم الجمركي عبر مرسوم دستوري من العسكري).
إن حديث سمير أحمد قاسم زاد عملية الارتباك في المشهد التجاري السوداني وفتح نوافذ للترقب لمآلات الأوضاع ومن ثم إطلاق يد السوق كي ينهى ويتلاعب بمقدرات المواطن على ضعفها وقلتها وترك المواطن في مواجهة جشع التجار وتحت رحمتهم ـ إن ضعف إدارات الإعلام في المؤسسات مثل الجمارك يجعلهم لا يدركون بل يجهلون أنه ليس بالسلاح وحده تهزم الحكومات وتركع وإنما بالقوة الناعمة واستغلال الغفلة.
وبعد 4 أيام من حوار سمير أحمد قاسم، خرجت إدارة الجمارك عن صمتها في حوار مع الفريق شرطة بشير الطاهر مدير هيئة الجمارك وعضو اللجنة الاقتصادية بالمجلس العسكري الانتقالي نشرته صحيفة التيار في عددها الصادر يوم الإثنين 8 يوليو 2019م، وكان ملخص الحوار نفي إشاعة زيادة الرسم الجمركي، وكل ما تم تداوله. نفي الجمارك جاء متأخراً جداً وكانت الإشاعة لحظتها قد فعلت فعلها في المواطن وربكة الأسواق. إلى متى تظل المؤسسات المعنية بتقديم المشورة والنصح والتحليلات داخل المؤسسات تمارس التعتيم والتغبيش حول القضايا التي تتطلب البت والحسم، لكن السؤال هل هؤلاء الموظفون أقل فهماً وإدراكاً من مهام الترابيز التي يجلسون عليها، وبالتالي هم سبب الخلل وأداة تأخرنا وضعف المنتوج الإجمالي لنا في شتى مناحي الحياة بالسودان.