محمد طلب يكتب: مصر المؤمنة بأهل الله والعلم وجسور العبور (6).. مُراح كدايس
محمد طلب يكتب: مصر المؤمنة بأهل الله والعلم وجسور العبور (6)
مُراح كدايس
نعم (مُراح) وليس (مُلاح)، ربما يعتقد البعض أنه (ملاح كدايس) خصوصاً بعد مطالعتنا عن أمر (اقاشي) الحمير والحصين (المخصب).
اعتدنا أن نرى مصر عبر الإعلام والأفلام العربية وهي صناعة تعتمد على تضخيم الأحداث بشكلٍ مثير خصوصاً السيئ منها، وأعتقد أنها رسمت صورة غير حقيقية ومضطربة ومشوهة جعلت- المصري- (مستهبل وحرامي وغشاش ومجرم ومصلحجي) في نظر الكثيرين ممن يشاهدون تلك الأفلام… بينما أنا هنا عندما يتوقف التاكسي ويذهب مرافقي لاحضار العجلة من (الضهرية) أجد أربعة من المارة توقفوا لحملي على أيديهم ومساعدتي، وعندما أركب العجلة كي اتجاوز الشارع تتوقف معظم السيارات كي أعبر الطريق وكل هذه حقائق شاهدتها بأم عيني، أما (مُراح الكدايس) فهذه قصة أخرى تجعلنا نحن (المصلحجية) وليس هم……
نحن نسعى مع (مرحاتنا) و(نزرب) لها الزرائب ونرعاها ونهتم بها غاية الاهتمام لأنها تعود علينا بالخير الوفير الذي يكفينا كثيراً من الشرور…. قطعان من الغنم والضأن أو بقر وإبل أما (قطيع القطط) أو كما أسميته (مراح الكدايس) فهذا لم أره إلّا في مصر المؤمنة…
نحن في السودان الممتد أفقياً تقتسم معنا هذه الكائنات بيوتنا وساحاتنا الخضراء أما أن تجد (مراحاً) في أحد الأحياء الراقية بالقاهرة فهذا ما لم يخطر لي ببال إطلاقاً فهذا التمدّد الرأسي والازدحام القاسي والغلاء يجعل رعاية الأسرة في (تلتلة) ناهيك عن كائنات أخرى، وهنا تذكّرت بلدي الحبيب والقرية التي ولدت بها وترعرعت فيها وقضيت معظم عمري هناك وعلاقتنا (القريبة والغريبة) مع الغنم على وجه الخصوص فقد كانت جزءاً أصيلاً من حياتنا وهي مرتبطة بالنساء والأطفال بشكل أساسي…
تذكرت أمي (الحاجة بت جاد الله) وغنمها وغنم الجيران (آمنة بت الأمين ود صبير) رحمها الله والخالات (التاية بت حسوبة) رحمها الله، وأخواتها (صلحة) و(ريا) و(بخيتة) أمد الله في أعمارهن وهن من ذوات (الشلوخ المطارق) والوجوه الأصيلة، أما (شول مني بت شلك) رحمها الله فهي حكاية أخرى تمثل محفظة مالية واقتصادية تدير ما لا يستطع عليه (فكي جبرين) وجارتها وعديلتها (سعدية بت الحبر) و(المسيكينة) و(السيدة وصفية) و(أسماء بت الحسن) التي تمثل الامتداد الشرقي أما غرباً فبنات (ضو البيت) و(بت النور) وبناتها رحمنا الله جميعا وإياهم أحياءً وأمواتاً…..
هذا تجمع ضخم من الأغنام يتجه شرقاً في الصباح ويقاسمنا منازلنا في المساء وهو عماد اقتصادنا المنزلي من الحليب وشاي الصباح وشاي المغرب والروب والسمن وملاح اللبن وملاح الروب أما (اللبى) والفعل المشارك له في عملية (ولادة تقرة) فهذه تحتاج لذاكرة بصرية تصويرية ربما لا أفلح في ترجمتها، أما (البعامية والكرتاء والسخلة والعتود) ربما تكون مفردات تحتاج للشرح المطول لجيل اليوم فدعونا نعود لـ(مراح الكدايس) والسيدة المصرية التي تحشد أمامها يومياً ما بين (20) إلى (30) كديسة في مساحة لا يتجاوز عرضها المتر بين بنايتين كبيرتين مساحة تزاور الشمس عنها ذات اليمين وذات الشمال وليس بها كلب باسط ذراعيه ولا وصيد أو أي مانع آخر دون الاحتشاد وهي عبارة عن ظلٍ ظليل..
اعتدت أن أرى هذا المنظر…. وبشكل يومي سيدة ستينية تضع الأكل لهذه القطط التي لا أدري من أين تأتي في ذات التوقيت متفوقة على آلات وتكنولوجيا وبصمة ضبط حضور موظفي الحكومة……………
ونواصل إن شاء الله
محمد طلب يكتب: مصر المؤمنة بأهل الله والعلم وجسور العبور (5)