حاورته: شادية سيد أحمد
قال دكتور التيجاني السيسي، رئيس تحالف نهضة السودان، رئيس حزب التحرير والعدالة، إن الوضع الحالي في السودان يعاني من السيولة والاستقطاب وترقب يشوبه الحذر، ورحب بالاتفاق الذي تم بين قوى إعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري، إلا أنه رجع وقال إن هذا الاتفاق يعتبر اتفاقاً ثنائياً، ولا يمثل كافة القوى السياسية، وحذر خلال الحوار الذي أجرته معه الصحيفة من التراجع عن النظام الفدرالي، مشيراً إلى أن التراجع عنه يعتبر كفر وردة ولن نقبله، وطالب السيسي بتقديم كل من اجرم إلى محاكمة عادلة، ودعا إلى التوافق والتراضي السياسي بين كافة القوى السياسية، منبهاً إلى أن عدم وجود تراضٍ سيجرالبلاد إلى استقطابات واستقطابات مضادة، كما طالب السيسي بتوضيح خطة الفترة الانتقالية.
*بداية ما هي رؤية تحالف نهضة السودان حول الاتفاق الذي تم بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير؟
نرحب بهذا الاتفاق باعتباره وضع حداً لحالة السيولة التي انتابت المشهد السياسي بعد سقوط النظام، ونتمنى أن يكون هناك هبوط آمن للبلاد رغم ما لدينا من تحفظات ومحاذير حول ما نسبه لأنه في تقديرنا اتفاق بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، وندرك تماماً أن المشهد السياسي السوداني مشهد معقد به كثير من القوى السياسية والمجتمعية، كان يجب أن تكون جزءاً من هذا الاتفاق، وأن توضع في الاعتبار، لاسيما وأن الاتفاق يتصل بالفترة الانتقالية، وترتبيات الفترة ليست خاصة بجهة محددة، وينبغي أن تتوافق حولها جميع القوى السياسية، وأخذ آراء الآخرين في الاعتبار، ونخشى أن يكون هناك اصطفاف آخر خلال الفترة الانتقالية، ونتمنى أن تشهد الفترة الانتقالية أمناً وسلامًا واستقراراً ولا تكون هناك استقطابات سياسية، والتي تسببت في إقعاد السودان سياسياً والاستقرار السياسي، والوضع في السودان يعاني من السيولة والاستقطاب والترقّب المشوب بالحذر.
*ذكرت أن لديكم تحفظات ومحاذير حول ما تم من اتفاق فيما تتمثل هذه المحاذير بشيء من التفصيل؟
نحن منذ البداية رأينا واضح كتحالف حول ما يمكن التوافق حوله خلال الفترة الانتقالية بدءاً بسؤال كيف يحكم السودان، ونكرر هذا السؤال كثيرًا، لأن المشكلة السودانية منذ الاستقلال والصراع يتمثل في من يحكم السودان وليس كيف يُحكم السودان، والجهة الوحيدة التي فطنت إلى أهمية ذلك آنذاك الإخوة في جنوب السودان، وقاموا بطرح النظام الفدرالي كمخرج آمن للبلاد.
*هل معنى هذا أن المشكلة تكمن في كيف يُحكم السودان وليس من يحكِم السودان؟
نعم، ونحن نركز على ذلك واضعين في الاعتبار الخطأ الذي ارتكبته النخب السياسية في السابق بتركيزها على من يحكم السودان، وفقدنا الجنوب من قبل، وبعد ثلاثين عاماً من حكم الإنقاذ كان الأجدر بنا أن نتواضع جميعاً حول كيف يُحكَم السودان خلال الفترة الانتقالية، ومن يكون في المواقع في تقديري هذه قضية ثانوية، والأهم التوافق حول رؤية محددة حول كيفية حكم السودان، ومن ثم التفكير من يحكم السودان، ولكن التصريحات التي صدرت مؤخرًا المتصلة بالإقصاء تارة والتجريم والعزل السياسي تارة أخرى هذه تشكل معضلة كبيرة خلال مسيرة إنفاذ ما تم الاتفاق عليه.
*كثير من القوى السياسية تحفظت على الاتفاق باعتبار أن هناك إقصاء لهم؟
قضية الإقصاء واضحة، وأن الاتفاق الذي تم يعتبر اتفاقاً بين طرفين في ظل وجود قوى سياسية كبيرة في السودان، وذات فعالية وتأثير، والقائمون علي أمر الفترة الانتقالية سيكتشفون لاحقاً أن هذه القوي لا يمكن الاستهانة بها خاصة وأن ما طالبت به هذه القوى مشاركتها ولو بالرأي حول تدابير الفترة الانتقالية وملامحها.
*لماذا تم إقصاء هذه القوى؟
هذا سؤال له أهميته ويمكن توجيهه لقوى الحرية والتغيير نسبة لأننا لا نجد أي مبرر لهذا الإقصاء، ربما كان منطقهم أن هؤلاء شاركوا خلال فترة حكم الإنقاذ، ونحن بدورنا نسأل من الذي لم يشارك في حكم الإنقاذ، وهذا ليس بمبرر منطقي في تقديرنا، نحن شاركنا وقتها وفقاً لتقديراتنا السياسية، ولن نسمح لأي شخص أن يُجرِّم تقديراتنا السياسية، وإلا سيتم تجريم كل هذه القوى السياسية بما فيها قوى الحرية والتغيير، والإعلان الدستوري الذي صدر من قوى الحرية والتقدير هو إعلان قاصر، وكأن السودان هو الخرطوم، وكأن الإمساك بمفاصل السلطة في الخرطوم يعني أن يكون هناك هبوط آمن للحكم في السودان، وهذا خلل كبير.
*الحديث الآن عن تكوين المجلس السيادي ما هي الأولويات التي تنتظر هذا المجلس وفقًا للمعطيات السياسية؟
حسب تعريف المجلس السيادي خلال الفترة الديمقراطية هو يسود ولا يحكم، ونحن في طرحنا أعطينا المجلس السيادي بعض السلطات السيادية، وتمثيل السودان في المحافل الدولية وإعلان حالة الطوارئ والمصادقة على التشريعات، ولكن يبدو أن أغلب السلطات التنفيذية ستكون في يد مجلس الوزراء، هذا هو فهمنا للحكومة المدنية أن تكون السلطات والصلاحيات التنفيذية في يد حكومة مدنية، وهناك عسكريون شركاء في الثورة وانحازوا لها.
*كيف تنظر لشكل السودان عقب انتهاء الفترة الانتقالية؟
أعتقد أن هناك محاذير كثيرة في هذا الإطار، يجب وضعها في الاعتبار، وإذا كان هناك هبوط آمن وإدارة راشدة خلال الفترة الانتقالية نستطيع أن نتكهن بشكل الدولة السودانية واستمرارها بقوة، والهبوط الآمن في فترة ديمقراطية عبر انتخابات شفافة، ولكن إن لم يحدث ذلك، أعتقد أن البلاد سوف تتعرض لهزة عنيفة، ونتمنى ألا يحدث ذلك، وربما تكون هناك تطورات، ونحن نعتقد أن الأسبقية الأولى للسلام، وفي حال عدم اكتمال حلقات السلام في السودان، ربما يجر البلاد إلى أزمات بعد الفترة الانتقالية.
*دكتور التجاني، تحدثتَ أكثر من مرة عن الهبوط الآمن ماذا تعني بهذه العبارة؟
أعني بالهبوط الآمن أن نتوافق جميعاً وأن يتوافق أهل السودان جميعاً خلال الفترة الانتقالية وألا تكون هناك مشاكسات ومواجهات سواء كان ذلك في الهامش أو بين الحركات المسلحة في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق مع السلطة الانتقالية، وألا تشهد البلاد أي موجات يمكن أن تتحول للاستقطاب السياسي، وبالتالي تتحول إلى مواجهات إن حدث ذلك سيكون أمراً مؤسفاً، وأدعو الجميع أن يضعوا في اعتبارهم تجربة الربيع العربي في العديد من الدول العربية والمجاورة، علينا جميعاً أن نقرأ التاريخ القريب، ونتصفح صحائف الدول التي دخلت في نزاعات، وأدى ذلك إلى تمزيق النسيج الاجتماعي، وتعرضت لهزات مؤسفة وعنيفة، وأفريقيا ليست بعيدة عن ذلك، وجوارنا ليس بعيداً عن ذلك، نحن ندرك أن هناك تدخلات أجنبية كتيرة يمكن أن تكون لها أيادٍ في ذلك.
*الحديث الآن عن التوقيع النهائي بين المجلس العسكري وقوى التغيير، في تقديرك هل سيصمد هذا الاتفاق خاصة وأن هناك حديثاً عن وجود طرف ثالث يسعى لإجهاضه؟
أتمنى أن يصمد الاتفاق، وأن تسير الأمور على ما يرام، ولكن أرجو ألا نتعامل بالعواطف، نحن في معترك سياسي، وهذا المعترك ربما يكون فيه استقطاب كبير يكون فيه غبن كبير، وأثبتت التجربة السودانية أن أي إقصاء في السودان دفع ثمنه غالٍ جداً مثل ما تم في العام 1965 طرد الحزب الشيوعي، وغير ذلك من الشواهد، وعلينا ان نستلهم هذا التاريخ، ونأخذ ذلك في الاعتبار حتى لا تتكرر المشاكل، والآن المشهد السوداني أصيح أكثر تعقيدًا، سودان اليوم ليس سودان 1985 اختلفت الظروف وأختلف اللاعبون واختلفت القوى السياسية، واختلفت الأوزان والتفكير، علينا أن نأخذ كل ذلك في الاعتبار، كل من لم يأخذ ذلك في الاعتبار في إطار السياسات التي يمكن أن يُحكَم بها السودان خلال الفترة الانتقالية سيعرّض البلاد إلى هزة كبيرة.
*هل تريد القول إن حل مشكلة السودان بنسبة كبيرة يكمن في التراضي والتوافق السياسي بين كافة القوى السياسية؟
ليس حل مشكلة السودان فقط، ولكن أينما كانت هناك مشكلة معقدة مثل مشكلة السودان ينبغي أن يكون هناك تراضٍ، وإلا سيستمر هذا التناقًض والمواجهات التي نتمنى أن تكون مواجهات سلمية، وهذا أمر مشروع في نظام ديمقراطي أن تقوم القوى السياسية المختلفة بالتعبير عن آرائها بحرية، ولكن التوافق أمر مطلوب في ظروف السودان كل من يتخيل أن السودان يمكن أن يحكم دون توافق خلال المرحلة المقبلة أعتقد أن ذلك يكرر تجربة أسوأ من التجارب الديكتاتورية السابقة.
*ما هو تصورك لشكل البرلمان المقبل؟
أذا أردنا أن نشارك في وضع ملامح الفترة الانتقالية بالتراضي وأن نأتي بالتشريعات التي يمكن أن يتراضى حولها السودان وعبرها نعبر إلى حكومة منتخبة ديمقراطية، ينبغي أن يشارك فيها كل أهل السودان وكافة القوى السياسية في البرلمان، ينبغي أن تًشارك كافة القوى السياسية في البرلمان باستثناء المؤتمر الوطني، ولكن إقصاء الآخرين سيكون له ما بعده، الآن هناك حركات مسلحة ماذا سيحدث في الفترة الانتقالية هل ستكون هناك فترتان انتقاليتان ستة أشهر، ومن ثم السلام أم يستمر الاتفاق إلى أن يتم التوصل إليه بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري والاستمرار في تكوين هياكل السلطة الانتقالية دون هؤلاء، ثم تأتي الجبهة الثورية لتتفاوض حول مطلوبات السلام، أم كان الأجدى توسيع مواعين التشاور منذ البداية حتى لا نعود للمربع الأول حتى لا تكون النتائج كارثية، ونقول من الأهمية بمكان أن يتوافق الجميع حول مطلوبات الفترة الانتقالية، هل تعتقد قوى إعلان الحرية أن تختزل مطالب الجبهة الثورية في هذا الاتفاق الثنائي، أم ستتجاوز الآليات الإقليمية التي أنشئت بموجب قرارات صادرة من الاتحاد الأفريقي، ومن ثم ما هي الضمانات للجبهة الثورية في أن تتفاوض الجبهة الثورية مع قوى إعلان الحرية، ويتم تنفيذ الاتفاق، ولكن أن يعتقد البعض أن مجرد الاتفاق بين قوى إعلان الحرية والمجلس العسكري يمكن أن يقبل بواسطة الجبهة الثورية هذا اعتقاد خاطئ.
*المشكل الاقتصادي من أهم الأسباب التي جعلت الشارع السوداني يثور كيف تقرأ ذلك؟
من الذي يتحدث عن الوضع الاقتصادي الآن، الجميع يتحدث عن المواقع والسلطة، ولا يوجد حديث عن تفاصيل المعيشة والأسعار التي ارتفعت بصورة أثقلت كاهل المواطن، من الذي يتحدث عن ندرة الوقود ومعاش المواطن، وُضعت هذه القضايا جانباً، والصراع الآن حول الكراسي، القضية الاقتصادية معقدة جداً، هناك خلل وعجز في الميزان التجاري والموارد العامة فضلاً عن الدين الداخلي والخارجي، وأقساط القروض الواجبة السداد. الآن كل ذلك لم يتم الحديث عنه الآن، ونعتمد الآن بصورة مباشرة على الهبات، لا توجد برامج أو مهام واضحة للفترة الانتقالية، ونتساءل عن خطة الفترة الانتقالية لمواجهة هذا التحدي الاقتصادي الذي له أثر خارجي، وأرجو ألا يستسهل الإخوة الحكم خلال الفترة الانتقالية، قضية السلام اسبقية، القضية الاقتصادية ومعاش المواطن أيضا أسبقية، والاتفاق حول نظام الحكم في الفترة الانتقالية حتى لا تنجر البلاد إلى استقطابات واستقطابات مضادة، والنظام الفدرالي الذي تغافل عنه إعلان الحرية والتغيير يعتبر ردة وكفرا صريحاً لن نقبله لأنه يعود بنا إلى سيطرة النخب، ومن ثم المستوى المحلي الذي يعتبر أهم مستويات الحكم والنضال الذي حدث في الهامش بسبب البحث عن نظام يمكن أن يكون الأنسب لحكم السودان.
*هل تتفق معنا أن الوضع في السودان أكثر من استثنائي ويتطلب التعامل معه باستثنائية؟
صحيح، الوضع استثنائي، أتفق معك هناك حاجة أحيانًا لاتخاذ إجراءات استثنائية، اتفق معك، ولكن هل سنعود إلى قانون الطوارئ والقوانين الاستثنائية التي رفضتها قوى الحرية والتغيير والقوى السياسية من قبل، ولكن تخيلي إذا لجات حكومة قوى إعلان الحرية والتغيير الى اتخاذ الإجراءات الاستثنائية بما فيها إعلان حالة الطوارئ في البلاد، كيف سيكون الموقف، كل هذه تعتبر متاريس إزالتها تستوجب التوافق واستصحاب القوى الأخرى، وكل من أجرم خلال الفترة الماضية يقدم إلى محاكمة دون تجريم الآخرين بحجة المشاركة في النظام السابق، الجميع شارك عدا القليل، يمكن أن نقول إنهم أفراد.
*ماذا ننتظر من الأحزاب السياسية خلال المرحلة المقبلة؟
هناك أحزاب ستكون داخل الحكومة والأخرى على الرصيف تنتظر ردة فعل المجموعة التي تحكم.
*ربما يكون هذا الحديث سابقاً لأوانه، حزب التحرير والعدالة هل اتخذ أي خطوات بشأن الانتخابات المقبلة؟
نعم، حديثك سابق لأوانه، لكن تحالفنا يعمل في هذا الاتجاه وغير منشغلين بقضية المواقع في السلطة ومنشغلون أكثر ببناء التحالف وتماسكنا، ونعمل على مراقبة الوضع ونهتم بأمن وسلامة البلاد خاصة وأننا في هذا التحالف جئنا وفقاً لاتفاقيات، وسنراقب المشهد، نتمنى أن تكون الفترة آمنة مستقرة.