منى أبوزيد تكتب : إحلال وإبدال
19سبتمبر 2022م
“الحب جنون مؤقت علاجه الزواج”.. أمبروس بير..!
في العقد الأخير من القرن الماضي، برز على سطح المفاضلة في أشواق البنات نحو العريس المنتظر مغترب من نوع جديد قادم من الأصقاع البعيدة يحمل بعض ملامحها الفاتنة وبعدها الحضاري الآسر..!
عريس “لقطة” جديد أدخل على المجتمع السوداني مفهوم الهجرة، فهو يقف على تخوم الذوبان في نسيج اجتماعي آخر، وهو في ذات الوقت مهاجر لم يحرق مراكبه ولم يختر بلاد الهجرة شاطئاً أبدياً..!
لم يفعل بدليل أنه يعود إلى الوطن في فترات منتظمة أو متباعدة حتى وإن كان يحمل جنسية أخرى، وحتى وإن كان لا ينوي الاستقرار في الوطن، يعود باحثاً عن عروس محلية يحملها معه إلى تلك المجاهل الفاتنة زوجة مناسبة تشاركه الوقوف على تخوم هجرته الفردوسية..!
أشواق الفتاة نحو العريس المهاجر عززت من شيوعها منعطفات كثيرة طرأت على المجتمع السوداني وكانت انعكاساً مباشراً لمتغيرات سياسية وهزات اقتصادية عنيفة..!
فكان لا بد أن تتراجع فكرة استجداء العريس المغترب للعودة وأخذ حبيبته على “طيارة بيضاء”، وكان لا بد أن يحدث الإحلال الملائم بالسعي نحو العريس المهاجر. أن تمارس الفتاة انتظارها التاريخي بطريقة أكثر عملية “بهاجر ليك أنا في المحل.. محل الطير الهاجر رحل.. إنت من هنا ولا من زحل”..!
بشيوع فكرة المغترب المهاجر تحررت أغنية البنات من رمزية المكان وتحول العريس – أو الزواج – نفسه إلى وطن، وتطورت مفردات مستسلمة “كنادولي حنوني” إلى “بهاجر ليك عشان ارتاح” و”نسكن لندن عمارات فوق”..!
ثم دارت عجلة الزمن وتحققت أحلام فتيات الأمس الطامحات إلى عريس مغترب و”المتشرطات” في نوعية ولونية الغربة “خليج.. أمريكا.. أوروبا … إلخ” وأصبحن أمهات مغتربات لبنات مغتربات حكمت عليهن غربة أهلهن بالسجن داخل أسوار غربتهن المركبة في مجتمعات الخليج والخضوع لأحكامها الصارمة، أو الحبس الانفرادي داخل معتقل المجتمعات الأوروبية والأمريكية وغيرهما والإذعان الكامل لشروطها المغايرة..!
ولئن كان شبح العنوسة قد أرعب أمهات الفتيات المغتربات بالأمس فهو اليوم يمسك بخناق بناتهن اللاتي باتت لهن أشواقهن الموازية بشأن العريس المنتظر. وهكذا تفاقمت العنوسة التي كانت شبحاً تتوارى عنه أمهاتهن بالأمس وتبثثن مخاوفهن منه عبر كلمات الأغنيات إلى مصير شبه محتوم ينتظر بناتهن. إما لضيق الخيارات القريبة أمام مغتربات الخليج منهن أو لانعدامها تقريباً أمام المهاجرات..!
الأمر الذي أعاد أمجاد “العريس المحلي” الذي أصبح اليوم محل أشواق المغتربات الباحثات عن عريس ينتمي إلى ذات النسيج الاجتماعي وهكذا عاد العريس المحلي “عزيز القوم الذي أذله الوافد المغترب” ـ عاد ـ إلى مكانته المرموقة في سوق العرض بعد أن كثر عليه الطلب..!