محمد طلب يكتب: مصر المؤمنة بأهل الله والعلم وجسور العبور (2)
أستاذ وديع حلمي والعمدة رحمه الله والدكتور أحمد يس
عرض علينا الدكتور (أحمد يس) بشكلٍ واضح خطة العلاج وأحسسنا بالطمأنينة وإمكانية تجاوز هذه المحنة بسهولة إن شاء الله والعودة للحياة الطبيعية سريعاً، وعرض علينا خيار الإقامة بالمركز حيث تتوفّر لديهم خدمة الإقامة الفندقية والمتابعة العلاجية مع الاخصائيين مع مواصلة العلاج الطبيعي وتخصّصهم به من جلسات العلاج الوظيفي وجلسات الكهرباء والعلاج الطبيعي والتمارين داخل الماء وحوض السباحة والجيم…
ونسبةً لقدومنا للمرة الأولى لمصر أرض الكنانة وعدم المامنا الكافي بكثيرٍ من تفاصيل الحياة هنا فضلنا هذا الخيار والإقامة داخل المركز……. واكتشفنا لاحقاً أنه كان الخيار الصحيح لأن البرنامج العلاجي مكثّف للغاية ويستغرق اليوم وليله ولمسنا أهمية ذلك ونتائجه فيما بعد….
وخلال يومين فقط من إقامتنا وجدت نفسي ومرافقي الحبيب الأخ والابن (مصعب طلب) أصبحنا جزءاً لا يتجزأ من المركز ككل وأصبحنا حيزاً من الزمان والمكان في (Physio Peak).
الطاقم العامل بالمركز على درجة عالية من اللطف والانسجام… وكل شئ يمشي حسب النظام وكل الطاقم يدري مهمته تماماً…. وروح الجماعة هي السائدة والإيقاع سريع ومتناغم جداً واسمك مع الآخرين أصبح محفوظاً للجميع من اليوم الأول…
ومن الصدف أن اسمي يتطابق مع الفنان المصري المرحوم (محمد عبد المطلب أو (عبمُطلب) كما يردد الإخوة المصريون… وجدت معظم العاملين بالمركز يسألونني (بتعرف عبد المطلب).. ولحسن حظي أني كنت على علم تام بالفنان محمد عبد المطلب المولود بدايات القرن الماضي والمتوفي في 1980م وبداياته مع (عبد الوهاب) وعلاقته بـ(عبد الحليم)، وقد بدأت معرفتي به عبر معلم الرياضيات المصري (وديع حلمي عطية) وزوجته معلمة الفيزياء الأستاذة (شفيقة) بمدرسة (العيلفون الثانوية) حيث كان منتدباً من مصر الشقيقة ومعاراً لوزارة التربية والتعليم عندما كنا نملك وزارة محترمة، ثم قضى (أستاذ وديع) ربع قرن بـ(العيلفون)….
كان الرجل المعلم من الأرياف المصرية ومتشرّب بالعادات والتقاليد ومدرك كرم أهل الريف ومعدنهم وبمجرد وصوله العيلفون سأل عن العمدة قبل أن يسأل عن المدرسة وهو ربما لا يدري أن الإدارة الأهلية قد تم إلغاؤها بالسودان أيام جعفر نميري… المهم وصل بيت العمدة (مصطفى بركات) وكان وقتها متوفياً رحمه الله وهو آخر عمدة بالمنطقة لكن ابنه بروف سيف الدولة كان عند حسن ظن الرجل (بالعمد والشيوخ) وأفسح له مساحة معتبرة بمنزل العمدة وقضي بها أستاذ (وديع) وزوجه وابنته عاماً كاملاً…….
أستاذ وديع هو أستاذ قبطي راقت له الحياة بمنطقة العيلفون (المتصوّفة) والمتسامحة بقبابها والأضرحة والمساجد و(نار القران) والخلافة وظل الأستاذ وديع (بالعيلفون) واحداً من أفرادها له ما لنا وعليه ما علينا حتيى بعد انتهاء مدة انتدابه وإعارته ولم يفارقنا إلا بعد أن سطا (الإخوان) على الحكم في السودان وجعلوه خراباً… وفترة حكومة (الإنقاذ) هجر فيها حتى الأقباط السودانيون موطنهم إلى مهاجر بعيدة……
لا أدري أين أستاذي وديع حلمي عطية الآن، ولا أدري أين العمدة هنا عندما وطئت قدماي أرض مصر كي أزوره، لكني أدرك تماماً أني الآن في (مصر المؤمنة بأهل الله) وفي أيدٍ أمينة وسوف أجد عندها أكثر مما وجده عندنا الأستاذ وديع، وأحسب أن الدكتور أحمد يس (ابن أصول) يهتم بسمعته وسمعة مركزه الراقي وسمعة بلده المؤمنة بأهل الله، ويكفي أني وجدت هنا معظم الجنسيات العربية وعلى وجه الخصوص المناطق (الملتهبة) في الوطن العربي مثل ليبيا واليمن وبلادي أرض النيلين أكثر التهاباً وسوف أفرد مقالاً منفصلا للحالات التي قابلتها هنا….. وسوف أفرد مساحة مقدّرة للطاقم الذي تعاملت معه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة سلباً وإيجاباً والأخيرة هي الأرجح بلا شك وأخص (الزول) دكتور لاشين الذي عاشرنا بالسودان وعرفنا وعرفناه وأكل معنا الكسرة والعصيدة والقراصة والملاح وحتماً شرب الشربوت وربما افقدته المريسة الوعي.
نواصل…
سلام