منى أبوزيد تكتب : في النسبة والتناسب
17سبتمبر 2022م
“إن كان تغيير المكروه في مقدورك فالصبر عليه بَلادة والرضا به حُمق”.. علي الطنطاوي..!
يا سبحان الله، كم له في البشر الخطاءين شؤون. قناة دينية شهيرة زارت بيوت بعض الفقراء في بلاد الحرمين، قائد الركب كان داعية مرموقاً اشتهر بلطف الحديث وحُسن القبول. الشيخ يطرق باب أسرة فقيرة تسكن أطراف المدينة فتأذن له ربة البيت بالدخول، يمد يده بظرف سمين تتلقّفه مضيفته المتلفعة بالسواد وهي تلهج بالشكر..!
يسألها الشيخ وهو يغض بصره عن ستائرها المسدلة “كيف تتقون يا أُخيَّتي هجير الشمس في هذا العراء، هل عندكم أجهزة تكييف”؟. فتقول له لا نملك مكيفات “فريون” لكننا نستعيض عنها بمكيفات “موية”. يدعو لها بالفرج قبل أن يسألها – مُستدركاً – عن إعانات الحكومة..!
السيدة تقول إنهم يتسلَّمون من الحكومة كل شهر مبلغ ألفي ريال” أكثر من ثلاثمائة ألف جنيه” وهي تكفي بالكاد لإيجار شقة داخل المدينة، وهم يسكنون في أطرافها – كما يرى – لأنهم ينفقون إعانة الحكومة على معيشتهم. بعدها يتحلَّق الصغار حول الشيخ فيقبلهم بحنان ثم يسأل والدهم هل يذهبون إلى المدرسة؟. فيجيبه الوالد بأن “بصات” الحكومة تنقلهم من وإلى مدارسهم. يُطرق الشيخ في حزن عميق حتى ظننته سيقول “معقولة.. ما عندكم سوَّاق”..!
يأخذوننا إلى الأستوديو فيطل علينا فضيلة الشيخ ودموعه تبلل لحيته “عباد الله، ما ذنب هؤلاء الأطفال، الواحد منا قد يشتري ساعة بعشرات الآلاف، بل إنّه قد يشتري لطفله لعبة بمئات الريالات، ثم يكسرها الصغير في نصف ساعة، بينما يعيش أولئك المَساكين على مثل هذا المبلغ أياماً. نتقلَّب في النعيم وغيرنا في الضنك وشَظف العيش، والله سبحانه وتعالى يقول “ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ”، وأبو ذر الغفاري يقول “عجبت لمن لا يملك قُوت يومه كيف لا يخرج إلى الناس شاهراً سيفه”..!
أما نحن في السودان فنقول لفضيلة الشيخ عجبنا لمن يملك ما يشتهيه من قُوت يومه ثم يخرج إلى الناس متحدثاً عن حاجته “فقراؤكم فقراء الهنا وعشوائياتكم عشوائيات السرور. أجهزة تكييف وجدران أسمنتية وسيراميك وإعانات حكومية و”بصات” مجانية تنقل أطفال فقرائكم من وإلى المدرسة. نقول له عجبنا لفقر يعبر هاجس الجُوع والمرض وانقطاع التّعليم، ويتجاوز توفير المأوى وامتلاء المعدة إلى رفاهية الحواس وكماليات المعيشة..!
لا تقل لي إنّ بلادهم غنية وهي بالتالي مسألة نسبية لأنني سأقول لك الله يفتح عليك خلينا في النسبية. أين تلك النسبية من ثروات أصحاب السعادة في بلادك مُقارنةً بأموال أصحاب المعالي في بلادهم؟. في كتاب الله مائة آية إنفاق وعشرون آية صدقة، يا أصحاب السعادة تصدّقوا على أصحاب التعاسة بفتات حقوقهم، وذلك أضعف الطغيان..!