إبراهيم شقلاوي يكتب: فصل جديدة يهدّد ثروتنا المائية وأمننا الوطني
إبراهيم شقلاوي يكتب: فصل جديدة يهدّد ثروتنا المائية وأمننا الوطني
في الوقت الذي تتطلع فيه البلاد إلى ترتيب أمرها بالاستفادة من مياه النيل وفقاً للمتغيرات المرتقبة التي يحدثها سد النهضة الإثيوبي والتي متوقع أن تزيد التدفقات المائية الواردة للسودان خلال موسم الأمطار بأعلى من المعدلات الطبيعية.. تفاجأت الأوساط العلمية والمهنية في البلاد بفصل (48) من العاملين في مجال الرصد والقياس لمناسيب النيل الذين يتبعون لوزارة الري- إدارة الهيدرولجي..
تلك الإدارة التي تم تأسيسها في العام 2014م وتزويدها بأحدث الأجهزة والأنظمة الإلكترونية التي تعمل على رصد وقياس مناسيب النيل بدءاً من معدلات الأمطار في الهضبة الإثيوبية وجنوب السودان وجريان النيل والأنهر الفرعية انتهاءً بحدودنا الشمالية مع الجارة مصر.. حيث تم تأهيل وتدريب هؤلاء العاملين في عدد من البلدان وصرف عليهم من حر مال الشعب السوداني الكثير.. فضلاً عن المنح الدراسية في إطار العلاقات المشتركة مع الدول الشقيقة والصديقة من أجل أن يمتلك السودان البيانات التي تمكّنه من الاستفادة من حصته المائية والمحافظة عليها وفق الاتفاقيات والمعاهدات الدولية.. إذ أن أمن البلاد المائي جزء لا يتجزاء من أمنها الوطني والإقليمي..
رغم ذلك يطالهم الفصل التعسفي والتشريد بقرار من رئيس اللجنة التي مهامها التقصي والتفاوض ورفع التوصيات للجهة التي فوضتها.. لا أن تتخذ قرار الفصل في سابقة وصفت بالجهل باللوائح المنظمة للعمل..
حيث جاء الفصل هذه المرة متدثراً خلف لائحة محاسبة العاملين عقاباً لما طالبوا به من حقوق أسوة بغيرهم من العاملين في التوليد المائي.. لينضموا بهذا الأجراء إلى بقية المفصولين من وحدة تنفيذ السدود خلال الأعوام الثلاثة الماضية دون أن يجد الأمر اهتماماً من الجهات المعنية..
كما هو معتاد صعب الاستماع لهم أو تقدير أهمية ما يقومون به من أعمال.. بالرغم من أن غيرهم من العاملين في قطاع الكهرباء تم الاستماع لشكواهم المتعلقة بالهيكل الراتبي وتم إنصافهم في خطوة وصفت بالجيدة بعد أن تم الجلوس معهم على مستوى رأس الدولة..
لكن يظل إختلاف المعايير والنية المبيتة تجاه هؤلاء شركاً وقع فيه متخذ القرار دون التقيد بالإجراءات المتعارف عليها في مثل هذه الظروف.. هذا الفصل التعسفي المتجدّد كما وصفه المراقبون يجسّد صراعاً قديماً على النفوذ وتقاطع الأجندات والسطوة الإدارية التي ظلت تعاني منها هذه الوزارة خلال السنوات الماضية رغم المجهودات التي ظل يبذلها العقلاء من أبنائها في رتق الفتق الذي بات متسعاً يوماً بعد يوم، والذي من غير المتوقع التئامه طالما الأمر متروك دون تدخل من الجهات المختصة في أعلى هرم الدولة.
عليه فإننا أمام واقع كارثي جديد يمثله هذا الفصل المتخفي خلف اللوائح الإدارية البائسة.. هذا الفصل يعني أن جميع محطات القياس.. عند مدخل ومخرج بحيرة سد مروي أصبحت خارج الرصد.. بجانب أعمال الرصد الأخرى التي تجري على النيل الرئيس مما يعني نهاية القياسات المائية لأي تدفقات مائية راتبة أو متجددة، كذلك لا قياس للإطماء ولا تحليل للعينات..
هذآ الواقع تتوقف بموجبه عملية القياسات على النيل الرئيس بعد التقاء روافده حيث تغيب كذلك المعلومة الدقيقة عن كم المياه التي تعبر حدودنا الشمالية.. نتيجة لذلك أيضاً ليست هناك موازنة مائية لبحيرة سد مروي حيث صار التشغيل غير متحكم فيه من حيث الموارد المائية، وذلك ربما يشكل مهدداً للسكان أعلى وأدنى السد بالكوارث والهدامات وفقدان الجروف..
هذه الإجراءات تعني موات بحيرة سد مروي التي أسسها الخبير الهيدرولجي م. منصور مردس عليه رحمة الله.. فقد كان أحد الوطنيين الأفذاذ الذين قامت على أكتافهم نهضة الري في السودان..
نرسل حديثنا هذا لله والتاريخ والوطن آملين أن يجد إجابة من الوطنيين العقلاء في الوزارة وفي إدارة الدولة.. فالهدم مستمر دون حسيب أو رقيب.. ولاحول ولا قوة إلّا بالله.
دمتم بخير.