منى ابوزيد تكتب : حكاية سودانية..!
14سبتمبر2022م
“قوة الإرادة قد تَتَجلَّى في مِقدِرة امرأةٍ بَسيطةٍ على صِناعَة الواقِع، باجتهادها في تَحويل خُردَوات الشَّقاء إلى مَفاتيح نَجاح”.. الكاتبة..!
بعد محادثةٍ هاتفيةٍ عاصفة، نَفَضَت الحاجة “سميرة” زبونة “الكوافير” العريقة بقايا طبقة الحِنَّة عن أطراف أصابعها وهي تقول – دون أن تَخُص بحديثها سيدةً بعينها من الحاضرات – “إن رجال هذا الزمان، مُنفَلتون، يلهثون وراء النساء، وإنهم لا خِلاقَ لهم”. قبل أن تبدأ “الفضفضة” بشأن معاناة ابنتها الشابة، الجميلة، مع زوجٍ زائغ العينين، كثير النزوات، قليل الاكتراث بدموع أم أولاده التي قرّرت أن تطلب الطلاق، انتقاماً لكرامتها الجريحة..!
بطبيعة حال مُجتَمع الكوافير، سارَعتْ معظم السيدات إلى التعقيب على حديثها بما يكفي من عبارات التأييد والمساندة، قبل أن تَتَبرَّع بعضهن بسرد حكاياتٍ مشابهة. وبعد فترة صمتٍ لا بأس بها، أمالت “نعيمة” الحَنَّانة رأسها نحو الحاجة “سميرة”، ثم قالت ضاحكةً وهي تشير نحوها بكيس الحِنَّاء “يا حاجَّة انصحي ابنتك بأن تترك زوجها يكمل حكاياته مع نساء الشارع، وأن تكتفي بدخوله وخروجه بين أبنائه، فهو عائد لا محالة، وسوف تستطيع زوجته أن تبرمج حاله من جديد، بعد أن يمتليء الجهاز بمقاطع مبتذلة فائضة عن الحاجة، وبعد أن تضعف البطارية، وينتهي الرصيد، فالرجل كالموبايل، يمكن أن يعود إلى سيرته الأولى، بعد إعادة ضبط المَصْنَع”..!
وقبل أن تسترسل الحاجة “سميرة” في الحديث عن انعدام وجه المقارنة بين حال من يده في الماء ومن يده في النار … إلخ.. قاطعتها “نعيمة” بجملةٍ “أنا القِدَّامِك دي” الشهيرة، والتي تقال في “ونسات” النساء كمقدمة للتوسل بالنفس لإثبات وجهة نظر القائلة. ثم أخذت تروي حكايتها التي يمكن تلخيصها في الآتي..!
بعد حصولها شهادة الدبلوم، كانت “نعيمة” تحلم بأشياء كثيرة، ليس من بينها أن تتزوّج من رجلٍ مفلس، له ابنة من زواج سابق، رآها وهي تقف بانتظار “المواصلات”، فأعجبه هدوءها الظاهر، وقرّر أن تكون زوجته. بعد أن رُزقت بولدها الوحيد بدأت مُعاناتها مع رجل مزواج، “بويهيمي” الطباع، ولم يكمل طفلها عامه الثاني عندما تزوج والده من أخرى جديدة..!
بعد مرور سنوات كانت تسمع فيها خبر زواجه من هذه وطلاقه لتلك، قرّرت “نعيمة” أن تجتهد في إقامة علاقة صداقة مع زوجاته المُؤقّتات، حتى ينعم ابنها بتربيةٍ مُستقرةٍ، وحياةٍ أسرية صحية، كان يتنقّل خلالها بين بيت أمه وأبيه الثابت، وبيت أبيه الآخر الذي كان يستقبل ضيفةً جديدة مطلع كل عام أو عامين..!
وبينما كان زوجها يضن عليها بمصروفٍ ثابتٍ، ويبدِّد أمواله بين المهور ومُؤخِّرات الصِّداق، كانت هي تستوي بثبات على عرش مهنتها كحنانة قديرة، ذائعة الصيت، تقصدها نساء الطبقة الراقية في الخرطوم. فادّخرت ما شاء لها، واشترت قطعة أرض وابتنت عليها بيتاً، وقامت بتأثيثه، واشترت لابنها – الذي أصبح شاباً يافعاً يدرس الهندسة – عربة يعمل عليها سائقاً بالأجرة في غير أوقات الجامعة..!
ثُمَّ، بعد مرور ما يلزم من السنوات – وفي تدويرٍ درامي – عاد زوجها إليها، مفلساً، منهكاً، وحيداً. فوجدها أقوى عوداً، وأقل حزناً، وأكثر رشاقة..!