صلاح الدين عووضة يكتب : نَهِي!!
14 سبتمبر 2022م
أو كهِي..
فلا أدري أي المُفردتين هاتين تعني النفي بلغة الهنود؛ بما أنني كنت عدواً لأفلامهم..
وما زلت أذكر دعوةً لي من تلقاء رفاق صبا لحضور فيلم هندي..
دعوني رغم علمهم بموقفي من أفلام الهند؛ ثم دعموا إصرارهم بإغراءٍ صوبوه بإتقان..
صوبوه نحو إحدى نقاط ضعفي التي يعرفونها جيداً..
ونقطة ضعفي هذه لا علاقة لها بالإنسانيات…. وإنما – إن جاز التعبير – بالبطينيات..
وتتمثل في هريسة حلواني الخيرات بالحليب… أو الزبادي..
دعوني ووعدوني… بطبق منها إن لبّيت دعوتهم… فوعدتهم… وواعدتهم… وكنت في الموعد..
وبعد نحو ثلث الساعة كنت في الخارج..
خارج قاعة السينما؛ لأحرم نفسي – كما قالوا لي صباح اليوم التالي – من حلاوتين..
حلاوة الهريسة؛ وحلاوة الهنديات..
فقد كانوا يعشقون هذه الأفلام لجمال ممثلاتها…. وجمال رقصهن…. وجمال عيونهن..
بينما كنت لا أرى جمالاً في أيٍّ من ذلكم..
بل إن رقصهن هذا – ذا السيقان المنفرجة – كان يُذكِّرني بإحماء أبي داؤود قبل المباراة..
وأعني سليمان عبد القادر؛ مدافع نادي المريخ الشهير..
فهي أفلام غير ذات بصمة إبداعية؛ ومن يشاهدها لا يعلق بذاكرته منها سوى الرقص..
وأيما إبداعٍ – أو ما يُفترض أنه كذلك – لا بصمة له فهو ليس إبداعاً..
غنائياً كان… أم روائياً… أم إعلامياً… أم تمثيلياً؛ أم ذا صلة بضروب الإبداع الأخرى..
ففي مجال الطرب – مثلاً – كانت هنالك بصمة صوتية..
فوردي له بصمة….. وزيدان له بصمة….. والكاشف له بصمة….. وكابلي له بصمة…
وكذلك أحمد المصطفى… ومصطفى سيد أحمد… وعثمان حسين..
والجابري ما كنت تحتاج إلى رؤيته – وهو يغني – لتعرف أنه هو؛ الصوت وحده يغنيك..
وكذلك خوجلي عثمان تتعرف عليه من بصمته الصوتية..
الآن – وأتحدى في ذلك أي صاحب رأي مخالف – لا يمكن التعرف على المغني إلا بصورته..
إما إن كان صوتاً – بلا صورة مصاحبة – فيصعب معرفة من هو..
فجميع أصوات مغنيي أيامنا هذه – رغم فخامة الألقاب – تفتقر إلى البصمة المميزة..
ويكفي أن صوت الخالدي يمكن تمييزه من بين عشرات الأصوات..
تماماً كما كان الناس – أيام غناء الحقيبة – يتعرفون على أصوات المطربين وهم في بيوتهم..
فهذا سرور… وذاك كرومة… وتلك العبادية..
وعلى ذكر مهلة العبادية هذه سُئل الموسيقار الماحي سليمان عن رأيه في أصوات المغنيات..
مغنيات هذه الأيام؛ فقال إنه سؤال تعجيزي..
فهن – يقول – يغنين بالصوت الثاني لا أصواتهن الحقيقية؛ والصوت الثاني لا هوية له..
أو بعبارة أخرى لا بصمة له..
وكذا الحال – من حيث انعدام البصمة – في مجال الإعلام؛ المرئي… والمسموع… والمقروء..
فمذيعات الشاشة زمان كانت لكلٍّ منهن بصمةٌ تميزها..
بينما مذيعات اليوم يصعب التمييز بينهن حتى بالبصمات الاصطناعية… غير الإبداعية..
بصمات المكياج… والكريم… والشعر… والرموش..
فحتى في هذه – رغم عدم اعتمادها لأغراض إثبات الهوية – يتشابهن كما التوائم السيامية..
وفي مجال الصحافة تكاد البصمة المميزة أن تندثر..
فقد ظهر جيلٌ بلا بصمة إبداعية؛ وإن حُجبت الصورة عن المنشور صار كاتبه مجهولاً..
وكأن رحم سديم الصحافة عقر عن تشكيل نجوم جديدة..
وفي كرة القدم بات أندر من لبن العصفور أن ترى لاعباً في موهبة نجوم جيل الأمس..
في موهبة سانتو… أو كمال… أو الدحيش… أو النقر..
وعليه… ومن ثم… وبناءً على ذلك… قد نكون بحاجةٍ إلى فحص حتى بصمات الأصابع..
فربما صرنا شعباً بلا بصمات ثبوتية… أي بصمة نهي..
وإن لم تصح مفردة نهي هذه فحتماً ستصدق أختها التي ذكرناها في مستهل كلمتنا هذه..
كهي!!.