الجازولين .. النقد الأجنبي حجر عثرة
عرض: مروة كمال – إنصاف أحمد
لم تبرح أزمة الجازولين مكانها، حيث تكرّرت خلال العام الحالي بصورة شهريةٍ، وتشهد انفراجاً لأيّامٍ معدودةٍ وتُعاود أدراجها مرةً أخرى، وسبق وأن وصفت وزارة النفط على لسان وزيرها السابق في عهد الإنقاذ، الأزمة بـ “الشائكة”، وطالب بالنظر إليها ضمن مُجمل الوضع الاقتصادي العام ومُسبِّباته منذ انفصال جنوب السودان، وكشف عن تزايُد عملية تهريب الجازولين وأنه يُباع في الطرقات السفرية وبأسعار أعلى من الرسمية، فَضْلاً عن تهريبه إلى دول الجوار”، ووجود أشخاصٍ ضعاف النفوس يقومون باستغلال الأزمة وتَكثيف العَمل في التّهريب باعتباره تجارةً مُربحَـــةً جِـــــدّاً، لافتاً إلى زيادة الاستهلاك تَزامُـــــناً مَــــــــــع الأزمَـــــات.
أزمة سُيولة
وكشف مَصدرٌ مَطّلعٌ بوزارة النفط لـ(الصيحة) أنّ أزمة الجازولين مُتعلِّقة بتوفير السُّيولة من النقد الأجنبي، مُبيِّناً أنّ البلاد تستورد 50% لتغطية العجز في الإنتاج المحلي، لافتاً الى ان بنك السودان المركزي غير قادرٍ على تغطية احتياجات استيراد الجازولين لعدم توافر النقد الأجنبي، وقال ان الوزارة تضع خُطة سنوية لتوفير الجازولين وترفع احتياجاتها للاستيراد، مُشيراً إلى أنّ تأخير وصول الباخرة إلى ميناء بورتسودان ليومٍ واحدٍ يحدث أزمة في السلعة بسبب الشائعة التي تنتشر وسط القطاع عن تأخير وصل الباخرة، وأضاف أنّ ضِعاف النفوس يقومون بتجفيف محطات الوقود من الجازولين على خلفية الشائعة، وحذّر من فشل الموسم الزراعي بسبب عجز الدولة عن توفير الجازولين لتغطية احتياجات المُزارعين من الوقود.
الخاسر الأكبر
ومِنَ المَعلوم أنّ العَديد من القطاعات الإنتاجية تتأثّر بشُح الوَقود، خَاصّةً الجازولين باعتباره الطَاقة المُحَرِّكة للعمل، ويُعد القطاع الزراعي من أكبر المُتأثِّرين خَاصّةً مع بَدء الاستعدادات للمُـــوسم الصيفي، حَيث شَكَا العديد من المُزارعين من تأثير الأزمة على المُوسم، وتُعد ولايات الإنتاج هي الخاسر الأكبر.
وأكّد العضو السابق لمشروع الجزيرة والمناقل محمود محمد نور خلال حديثه لـ(الصيحة) أنّ الزراعة تأثّرت بشكلٍ كبيرٍ من عدم توافر الجاوزلين، كاشفاً عن لُجُوء المُزارعين لتوفيره عبر السُّــــوق الأسود رغم ارتفاع أسعاره بصورةٍ كبيرةٍ، مُشيراً إلى أنّ سعر البرميل يصل لحوالي 1500 جنيه، بينما يبلغ سعر الجالون بسعر السوق الرسمي 27 جنيهاً للجالون، لأنّ الكميات الموجودة لا تُغطِّي حوجة الولاية، وقال إنّ الولاية تشهد صفوفاً طويلة بمحطات الوقود، وتَوَقّع أن يحدث انفراجٌ خلال الأيام المُقبلة عبر توفيره من قِبل وزارة النفط.
سوق أسود
أما بالنسبة للقطاع الصناعي، فتعد المُشكلة أكبر لتأثُّره بعددٍ من المُشكلات المُتعلِّقة بتوافر الطاقة، حيث أوضح الأمين العام لاتحاد الغرف الصناعية د. عباس علي السيد خلال حديثه لـ(الصيحة) أنّ مُشكلة القطاع لا تنحصر في انعدام الجاوزلين فقط، بل في عددٍ من الأشياء أهمها عدم توافر الطاقة والتي يُعتبر الجاوزلين جُزءاً منها، وأردف أن الطاقة التشغيلية أصبحت تعمل بالنصف، فمعظم المصانع تعمل يوماً وتتوقّف اليوم الآخر، وكذا الحال بالنسبة للكهرباء، وقال إنّ مُعظم أصحاب المصانع لجأوا لتوفير الجاز عبر السوق الأسود وشرائه من التُّجّار بأسعارٍ باهظةٍ، بجانب ذلك فإن تأثيره يظهر في زيادة أسعار الترحيل، ما يزيد من التكلفة على القطاع، وقال إن هذا الوضع مُستمرٌ منذ فترة من الزمن دُون وُجُود مُعالجة من الجهات المُختصة.
20 محطة
أما قطاع النقل لم يكن من القطاعات المُتأثِّرة بالمُشكلة، وهذا حسب حديث الأمين العام لغُرفة الشاحنات محمد خليفة، الذي أوضح لـ(الصيحة) أنه تم وضع اتفاقية مع الجهات المُختصة بتوفير 20 محطة للوقود في المناطق الطرفية بولاية الخرطوم وبورتسودان، حيث يتم توفير الجاز عبر تصاديق يتم منحها لأصحاب الشاحنات، وفي حَال عدم توافرها لا يتم إعطاء حصة للمركبة، وقال انه في الوقت الحاضر لا نُعاني من تلك المُشكلة.
حلقة لعينة
ويُشير الخبير الاقتصادي د. عادل عبد المنعم لـ(الصيحة) إلى أن البلاد تحتاج لمليار دولار في العام لاستيراد الجازولين، لافتاً إلى انّ إنتاج البلاد من الجازولين يُقدّر بحوالي 40 – 45% من الاستهلاك المحلي، مُؤكِّداً أنّ تعهُّد الدول ومنح البلاد مليار دولار لن يكفي حاجة الاستهلاك المُختلفة لأكثر من 4 أشهر، وقال إنّ البلاد ستظل تدور في حلقةٍ لعينةٍ من شُح العُملات، وأضَافَ أنّ القَضَاء على الأزمة يحتاج لوقتٍ كبيرٍ، وأوضح أنّ الأزمات الاقتصادية في البلاد تأخذ صيغة الدوام ولن تحل في الوقت الحاضر بسبب نقص العملات الحرة، فَضلاً عن اعتماد الدولة على القطاع الخاص وأهملت القطاع العام ومؤسساته وخصخصته، إضافةً إلى أنّ الحكومة انشغلت في السنوات الماضية بالحُرُوب وأهملت الجانب الاقتصادي، واعتمادها على سياسة التحرير الاقتصادي التي قامت على قطاع اقتصادي عائلي وضعيف وفشل الدولة في استقطاب أموال المُغتربين وتوجيهها نحو مشاريع إنتاجية، مثل المنسوجات التي بلغت قيمة صَادراتها في تركيا 6 مليارات دولار وفي المغرب 4 مليارات دولار، جازماً بأنّ البلاد دخلت حلقة اقتصادية يَصعب الخُرُوج منها وتحتاج إلى مليارات الدولارات ليتمكّن الاقتصاد من اختراقها والخروج منها، وفيما يتعلّق بقضية التّهريب، أكّد عادل أنّ فتح المعابر عقب ثلاث سنوات من انفصال الجنوب عَمِلَ على استنزاف موارد الاقتصاد واعتماد الدولة على سياسة التحرير الاقتصادي.
أزمة سِياسيّة
ويتّفق خُبراء اقتصاديون بأنّ أزمة الوقود في البلاد إدارية وسياسية قبل أن تكون اقتصادية، ما يُؤكِّد لوجود أزمة في كيفية اتّخاذ ومنهجية القرار، وأشاروا إلى أنّه من المُفترض وحسب سياسة التّرشيد والتّقشُّف التي اتّبعتها الدولة بغرض توفير الأساسيات من السِّلع ألا يجد المُواطن مُعاناة في شتى المجالات للحُصُول على السِّلع، حيث أثّرت سياسة التقشُّف عليه سلباً بصورة كبيرة، خَاصّةً وأنّ المُواطن انكوى بنار السياسة الانكماشية وأثرها السالب في توفر السلع والخدمات الخاصّة حتى الأدوية في ظل غياب الإنتاج والإنتاجية، فَضْلاً عن الأثر البالغ جداً لأزمة الجازولين والوقود امتدادٌ لآثار نفسية على حياة الناس، مَا أرجع البلاد للمُربع الأول المُتمثل في وَضع النُّدرة السّائد قبل سياسة التحرير الاقتصادي والأثر الاقتصادي سَالِبٌ جداً وشمل الإنتاج الزراعي والصناعي والكهرباء والبيئة، واعتبروا تكدُّس السّيّارات في محطات الوقود تَعَطُّلاً لطاقةٍ كبيرةٍ جداً، وأنّ المُبرِّرات التي صَاغتها الحكومة بشأن الأزمة غير مَقبولةٍ.