تقرير: مريم أبشر
توحيد وتنسيق الخطاب الإعلامي والجهود الرامية لخلق مناخ معافى، وإظهار الصورة الحقيقية والنوايا الداعمة لتنفيذ الاتفاق بين المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير خلال الفترة الانتقالية المقبلة، بات ضرورة قصوى لصد حملات التشويش ومساعي العراقيل التي من شأنها تعقيد الموقف، ووضع المتاريس أمام الإرادة التي توفرت أخيراً بمساندة مُسهّلين من الاتحاد الأفريقي ودول جوار قريبة من السودان، على رأسها أثيوبيا ممثلة في رئيس وزرائها الذي ابتدر جهود وساطة حميدة احتضنها الاتحاد الأفريقي لتقريب شقة الخلاف التي نشبت بين المجلس العسكري وقوى التغيير، زادت حدتها بعد حادثة فض الاعتصام الذي راح ضحيته نفر عزيز من شباب السودان الثائر متطلعاً لغد أفضل في وطنه السودان.
كثير من الأصوات والأقلام التي تصطاد في الماء العكر هنا وهناك، ربما لا يرضيها أن تمضي الأمور كما تتمنى الأطراف وترغب، وتسعى لتعكير الأجواء عبر التصريحات الخارجة عن إطار التهدئة والمضي قدماً حتى تنتهي الفترة الانتقالية بسلاسة، وتنتقل البلاد لحكومة يختارها الشعب السوداني بإرادة حرة وانتخاب نزيه عبر صناديق الاقتراع . ولكي تمضي الأمور على ما يرام، رأى الطرفان أن ضبط الخطاب الإعلامي مهم جداً لتفويت الفرصة على دعاة الفتنة. ولكن هل هذا التوجه ممكن في ظل بروز من ينصبون أنفسهم ناطقين وقيادات عليا خاصة فى قوى إعلان الحرية والتغيير؟ “الصيحة” تناولت هذا الجانب مع عدد من القيادات والمختصين في الشأن الإعلامي حول إمكانية الحد من التفلتات الإعلامية.
التنسيق الاستباقي:
تنسيق الخطاب الإعلامي عبر توحيد الرسائل الإعلامية مهم جداً خلال الفترة المقبلة من عمر البلاد، وهذا يدفع الأطراف المعنية (المجلس العسكري وقوى التغييري) وفق محللين لأن يكونوا على اتفاق مسبق على الهدف الذي من أجله يمضون حالياً في وضع اتفاقن وهذا ظهر خلال اليومين الماضيين من أسلوب الخطاب الذي بدأ يسود بين الطرفين، ويرون أن تنسيق المواقف يأتي في سياق أن الفهم العام لدى الراي العام السوداني أن الطرفين المنوط بهما إدارة الفترة المقبلة متشاكسان في الأصل وعلى طرفي نقيض، كما بدا ذلك واضحاً بعد إزاحة النظام السابق والتصعيد الذي ساد الأجواء وكاد أن يقود إلى ما لا يحمد عقباه، لولا تدخل أطراف إقليمية ودولية أعادتهم إلى جادة الطريق، حيث كانت المواقف تأخذ تفسيرات سالبة حيناً ومتعنتة في أحيان أخرى.
ويرى خبير إعلامي تحدث لـ(الصيحة) أمس أن الحديث ينبغي أن ينصب باتجاه الأهداف الخاصة بالسلطة الانتقالية وأن تكون الشراكة بين الطرفين ذات مقاصد محددة، غير أن المطلوب أيضًا ألا تستعدي أو تقصي الأطراف الأخرى حتى يتمكن الجميع من عبور المرحلة المقبلة بسلام، مع الوضع فى الحسبان التشاكس الذى ساد بين الأطراف إبان الديمقراطية السابقة في (85)، حيث شهدت الفترة ــ طبقاً لخبير إعلامي تحدث للصيحة ــ مناوشات واختلافاً في وجهات النظر بين مكونات الحكومة المدنية، رغم أن الانسجام كان قوياً بينها والعسكر، إلا أن وجود خطاب آخر إقصائي مثلما يثار حول سدنة مايو وفلول النظام، وإن لم يصدر عن السلطة الحاكمة، إلا أنه أثر بشكل مباشر على الفترة الانتقالية، وبالتالى عجّل مع أسباب أخرى بالإطاحة بالديمقراطية في 89 .
يجمع المراقبون على أن أي تشاكس بين الشركاء خلال الفترة الانتقالية قد يضر ويلقى بظلال سالبة على فترة التحول الديمقراطي وأن تنسيق الخطاب وضبطه لأجل مصلحة البلاد لعبور المرحلة ينبغي أن يتجاوز الشريكين إلى القوى الأخرى ذات التأثير.
عدم الثقة
خبير إعلامي أرجع التشاكس بين الطرفين إلى عدم الثقة والحذر السياسي الحاد. ويرى أن مد جسور الثقة مهم عبر إظهار المواقف المتسقة مع أهداف المرحلة، وحمّل المصدر المجلس العسكري مسئولية التفلت الإعلامي باعتبار أنه يفتقد القاعدة الإعلامية حسب رؤيته، وأنه كثيراً ما يستعين بكوادر الإعلام القديم، وأن هؤلاء يشكلون إعلاماً يتّفق مع رؤيتهم الخاصة.
العُزلة الدولية
وزارة الخارجية، عبر مسئول حكومي رفيع تحدث لـ(الصيحة) ،نبه إلى ضرورة توحيد الخطاب بين الشركاء خاصة فيما يلي السياسة الخارجية للسودان خلال المرحلة المهمة من عمر البلاد، ولفت إلى أن فترة الديمقراطية السابقة اتسمت بتوجُّهات متناقضة بين الشركاء أضرت إلى حد كبير بالديمقراطية فيما يلي الدعم الإقليمي والدولي، حيث بدا الخطاب متناقضاً وغير موحّد، وكان نتيجة ذلك تقليل الفوائد وبالتالى وأد التجربة مبكراً، باعتبار أنها كانت معزولة.
وطالب المصدر الحكومي بأهمية توحيد الخطاب بين الفرقاء في الشراكة الانتقالية لتأمين الدعم الإقليمي والدولي والخروج من العزلة التي دخل فيها السودان خلال الحقبة الماضية.
صورة أخيرة
إذن توحيد الخطاب الإعلامي للشركاء وتقديم صورة ذهنية إيجابية عن توجّهات المرحلة ومراميها مع استمرار الحاجة إلى المزيد من الجهود الداعمة في هذا الشأن، والسعي نحو إحداث نقلة نوعية في إشراك الإعلام المحلى بالمعلومات الصحيحة، وعدم تركه للاجتهادات التي قد تدفع بتعكير الأجواء ضرورة ملحة لعبور المرحلة بسلام وصولاً لديمقراطية مستدامة تكون عصية الوأد والاختراق.