الخروج من الأزمة.. طريق التعافي والبناء الوطني
الخرطوم: صلاح مختار 9سبتمبر 2022م
عقب انسداد الأفق السياسي وبداية الخطر الكبير على الأبواب, وتفشي أمراض العصبية والعنصرية والقبلية وفشل النخب السياسية في الوصول لحل أزمة البلاد. انبرى عدد من الخبراء وأكاديميين تقف من خلفهم مؤسسات أكاديمية ومركز خدمة المجتمع في التصدي لتلك الأمراض من خلال سلسلة ندوات تقيمها جامعة المغتربين عبر مركز خدمة المجتمع وهي سلسلة عن كيفية النهوض بالسودان واللحاق بركب الدول. ولأن المشروع الوطني لبناء الدولة السودانية الحديثة كانت المحصلة النهائية لتلك الندوة. كانت الندوة رقم (4) حول التعافي والبناء الوطني، مقاربات أولية. وأكد بروفيسور عثمان محمد الحسن، مدير الجامعة أن النزول للمجتمع هو جزء من وظيفة الجامعة, محذِّراً في ذات الوقت أن السودان يمر بمنعطف خطير عاد به للوراء, ولفت إلى التراجع الكبير والمريع في الخطاب العنصري والكراهية والقبلية التي بدأت تتفشى. وقال: رغم إن ثقافة السودان المتعدِّدة والمتنوعة من المفروض أن تخدم الوحدة إلا أنها أتت بالعكس.
البناء الوطني
وقال بروفيسور عبد الوهاب أحمد عبد الرحمن: لا بد من التعاون والبناء الوطني في إنجاز المشروع الوطني. ولكنه رأى حتى يتم البناء الوطني لا بد من تعافي الشخصية السودانية الحديثة من الأمراض, والتداعيات القبلية والعنصرية والطائفية, مبيِّناً تقييم الذات السودانية بأنها متصفة بالحسد الذي يتفشى فيما بينهم, وشدَّد على ضرورة مجابهة ذلك. ودعا إلى عدم إنتاج أمة مستهلكة وغير منتجة, مشيراً إلى وجود سخط عام تجاه الوطن, ينعت بأبشع الصفات. ورأى أن هنالك خلط بين الحكومة والوطن. وشدَّد على أهمية التشخيص الصحيح للتعافي والبناء الوطني, وحث على أهمية إعادة النظر في التنشئة الأسرية والاجتماعية للتخلص من السلبيات. بجانب ضرورة التخلص من الفردية والجشع واستخلاص السمات الإيجابية التي كادت أن تنقرض. ورأى أن الحديث بأن الشعب السوداني هو أكرم الشعوب ليس صحيحاً وإنما مجرَّد أوهام.
طق حنك
وطالب عبد الرحمن إلى إعادة النظر في المناهج, والتخلص من الحشد والانتقال إلى الفهم والنقد والتعليم الذاتي. كما طالب بإعادة النظر في الثقافة الشعبية و(طق الحنك) وقال: نحن شعب لا نجيد سوى الكلام دون العمل. والاستعاضة عنها بثقافة الاستنارة, وقبول الآخر, وممارسة الديموقراطية التوافقية والانتقال إلى الحوار والتفاهم وتحقيق الشخصية السودانية والعمل على قيام دستور دائم للبلاد. وقال: إن البناء الوطني يعني الهوية الوطنية الواحدة. مبيِّناً أن السودان أمة لم تتشكَّل بعد, وبالتالي من المهم العمل على رفع الوعي بين الأمم بمفاهيم البناء الوطني الداخلي. وقال: كلما اتسعت دائرة الجهل كلما أصبحت الأمم في حاجة إلى القيم الخاصة. كذلك يتطلب استخدام الموارد. وحث القائمين بأهمية الاستفادة من تجربة رواندا في الاستقرار والتقدم بجانب تجربة ماليزيا التي حققت البناء الوطني.
ظواهر سالبة
من جانبه أكد د. علي عبد الله إبراهيم، وجود ظواهر سالبة في حياة المجتمع السوداني العام، مشيراً إلى العراقيل التي وضعها الاستعمار, أبرزت مشكلات سياسية في البلاد أدت إلى فشل في معالجة قضايا السودان الملحة والتي ظلت ملازمة إلى يومنا هذا. مشيراً إلى سياسة التعليم المتبعة والتي لم يجد التعليم الفني فيها ما يستحقه من اهتمام. وقال: القضايا التي أقعدت بالمجتمع عجزت الحكومات في إيجاد الحلول لها. ونوَّه إلى دعاوى القبلية والترويج لها الآن. وقال: إن أبراز القضايا الآيديولوجية أدت إلى بروز معسكرين يمين ويسار وهي واحدة من الأسباب الرئيسة التي حرمت الوطن من التقدُّم, بجانب ذلك استفحال الأمراض الاجتماعية التي عصفت بالقيم السودانية وجعلت الشعب بائس ويائس غير مبالٍ.
دور خطير
وشدَّد إبراهيم، على ضرورة معالجة تلك الأمراض واستئصالها حتى تكون جزءاً من الماضي بجانب محاربة واستئصال الاعتداء على المال العام وتفشي الرشوة وعدم الإحساس بالخطأ بجانب انتشار التحرش وغيرها من القضايا التي يستوجب استئصالها. ودعا جهات الاختصاص إلى معالجة العصبية الدينية والعرقية والجهوية. وقال: العصبية وصلت إلى شيء خطير لذلك لا بد من التعامل بحذر. بجانب انتشار العنصرية والتي قال إذا وجدت بيئة يمكن أن تنتشر فيها. وشدَّد على أهمية مشاركة قطاعات المجتمع مثل التشكيليين الذي يقع على عاتقهم دور كبير وخطير في رفع مقومات الشعب للانفلات من مظاهر الركود وتحفيزه للقبول بفكرة التعافي.
قواعد الحوار
رأى باشمهندس علي تونجي، أن القبلية لها دور مميز في البناء الوطني رغم أننا نعاني منها الآن. ولكن عندما حملت أكثر مما تحتمل بدأت تتعدى دورها للسياسة, لذلك نجدها تعدت دورها الاجتماعي مما أسهم سلباً في إيجاد العصبيات, وأدت إلى تأخر الدولة. وقال: كلما تأخر دور الدولة في البناء كلما تقدَّمت القبلية. والعكس كلما تقدَّمت رعاية الدولة للمواطن كلما تأخر دور القبيلة. ؟ ولفت إلى أن بعض مكوِّنات القبائل تضع شروطاً للدولة كذلك الثقافات, ورأى من المهم نقل السمات الإيجابية لروح الدولة, وكيف نؤسس لقواعد الحوار ما بين المكوِّنات الثقافية داخل القبائل. وقال: كل الدول تمر بمرحلة الطائفية بأشكالها المختلفة, ولذلك من باب أولى التخلص من السمات التي تعود للطائفية.. والتخلص من السلبيات والتقدم نحو سقوفات الدولة. وقال: نحن في حاجة إلى حوار يؤسس للدخول لقواعد الحوار.
وحدة واحدة
وجزم د. صديق تاور، عضو مجلس السيادة السابق، عدم صحة الحديث بأن السودانيين ليسوا وحدة واحدة لحدوث تشوُّهات. وأكد فشل السودانيين منذ الاستقلال في إدارة الدولة, وقال: كل مرحلة من مراحل الحكم لها انعكاساتها. وأشار إلى ان فترة الإنقاذ, كانت الدولة تعتبر نفسها في حرب مع المواطنين، مشيراً إلى الإجراءات الأمنية التي كانت تتبع في ذلك الوقت. قال: من الطبيعي يكون هنالك تشوُّهات في مسألة الانتماء.
مشيراً إلى ظهور ما يسمى بسكان (الكنابي)، وقال: قبل الإنقاذ كانت مسألة عادية، ولكن الآن هنالك أزمة في التعايش ما بين المجتمعات المحلية وهؤلاء .
وانتقد بشدة تصريحات بعض مسؤولي الدولة بشأن دعوتهم للعصبية والجهوية مما أدى إلى جبهة صراع أن تتغذى منها.
بجانب ذلك النماذج السالبة التي تغذي الشباب للقتل، ولفت إلى المهدِّدات التي تحيط بالدولة التي يغذيها تقاعس الدولة من القيام بدورها. وأكد أن السلوك الاستهتاري مهدَّد, كذلك رفع الأصوات كوسيلة لنيل الحقوق, وانتقد كذلك الاتفاقيات السابقة سواءً أكانت اتفاقية جوبا أو أبوجا.