الفخّارين .. مهنة ضد الانتهاء
أمدرمان – فرح أمبدة 9 سبتمبر 2022م
لأكثر من ثلاثين عاماً، ظل الحاج عبدالرحمن الكردفاني ” 68عاماً” يقاوم الحاح زوجته بترك مهنة “صناعة الفخار” التي ورثها عن أجداده، والتوجه الى دول الاغتراب التي كانت تجتذب اليها السودانيين. وطيلة العقود الأربعة الماضية كانت زوجته، الحاجة بتول، تطمح في ان تتغير حالها مثل ما حدث لكثير من رفيقاتها اللاتي سافر ازواجهن، لكن الكردفاني، ظل وفيا لمهتنه محددا هدفه بأن يورثها لأبنائه ونجح علي ما يبدو في ذلك.
في امدرمان، وفي حي العرب حيث تقطن عائلة الكردفاني، وعلي جنبات الازقة الضيقة التي توصل الحي بالسوق القديم، يشاهد المارة “اتيليهات” على الهواء الطلق، تعرض مشغولات فخارية غاية في الروعة لمبدعين من أجيال مختلفة، بيد ان المعلم العتيق، الحاج الكردفاني، يظل الاكثر شهرة وسطهم فالرجل العجوز تشرب المهنة “على اصولها” من والده الذي تشربها بدوره من جده.
في حواري المدينة القديمة، في العباسية، ابي روف، الجرافة، ود البخيت، وفي بانت تمكنت “الأواني الفخارية ومشغولات الزينة” من جذب الناس اليها ويندر ان يخلو منها منزل وقد باتت تكتسب اسمها وفق اختلاف مادة تصنيعها واسلوب انجازها لكن حضورها يزداد كثافة مع دخول فصل الصيف.
مهنة صامده
يقول الكردفاني الابن بكل ثقة لـ”للصيحة” ان مهنة اجداده ستصمد امام التغيرات التي تترى ولن تندثر ما دامت محافظة على اتقانها، ويزدحم معرضه بعدة اصناف من الفخارييات االمختلفة، برموزها ورسوماتها المميزة، منها، ازيار المياه، زجاجيات المناظر ،جِرار الماء ، أصايص الزينة وأصايص زراعية الى جوار خزفيات رملية متناسقة تعرض كديكورات في المنازل والفل وفي الحدائق.
مهنة صناعة الفخار وسط عائلة الكردفاني قديمة اذ ان جده من اوائل المهنيين الذين عرفتهم امدرمان وقبلها مدينة الابيض التي قدِم منها، ويشير الى انه غير نادم على تشربه الصنعة من والده لأنها تمكنه من ممارسة العمل الذي يعرف ويحب، فضلاً عن انها تدر عليه مبلغ يستر الحال.
تتراوح اسعار الأزيار الكبيرة في مشغل الكردفاني ما بين 7000 و 15000، والمتوسطة تهبط حتي 3000 جنيه، أما الاصايص فتتراوح ما بين 2000 وعشرة آلاف حسب الجودة والتشغيلات، وحسب قوله فإن دخله يصل الي مئة الف احيانا ويهبط الي دون ذلك بكثير في بعض الايام، لكنه يزداد ايام الجمع والعطلات، ويقول بأن اشتهار عائلته بهذه الصنعة جعلت الزبائن يأتونه من الاحياء البعيدة.. فضلاً عن ان لديه زبائن يعرضون بعض مشغولاته في اتيليهات اخرى في الفنادق وفي قلب الخرطوم وسوق امدرمان القديم.
وحسب قوله فإن بيوت عريقة في امدرمان ما تزال تحتفظ بالأواني والزهريات الفخارية التي صنعت في زمن جده الأول “وهي ما تزال قادرة على انتزاع الإعجاب”.
المنافسة صفر
ولا يبدي الكردفاني تخوفاً من ظهور منافسة لمشغولاته بعدما عرفت الاسواق المحلية مماثلاً لها من البلاستيك والصيني وحتى من المعادن ويقول في هذا الصدد “لا اعتقد ذلك فسكان المدينة ما يزالون يرتبطون بمنتوجاتنا والدليل على ذلك أننا ما زلنا مستمرين وفي المقابل لايخلو منها منزل”.
وفي حي العباسية يقول الفنان التشكيلي الصادق زوربا من داخل مشغله الشهير لـ”الصيحة” .. صناعة الفخار من أرقى الفنون التي عرفتها الانسانية لأنها لازمت الحضارات المختلفة منذ اقدم العصور بدليل ما تحتويه المقابر القديمة.. وهو فن من ابسط الفنون واكثرها صعوبة في آن ولولاها لما عرفت البشرية الكثير من اسرار العالم القديم.. ويضيف النوبيون وقدماء المصريين هم اول من صنع الفخار.
ويشير الي أن اقبال الناس يزداد في الصيف على شراء الفخاريات لمختلف الاستخدامات فهناك من يشتريها من اجل النباتات وآخرون يشترونها لأغراض الزينة والديكور أو من أجل اغراض الطبخ والشرب.