الخرطوم: رشا التوم ـــ أم سلمة العشا
مخالفات ضخمة أظهرها تقرير لجنة حصر ومراجعة الشركات الحكومية تتعلق بإهدار وتبديد المال العام، شملت الاختلاسات وتبديد وبيع أصول بأثمان بخسة، وبيعت مرافق بالغة الأهمية بأسعار غير مجزية، تمت في فترة حكم النظام السابق، وتورط فيها عدد من رموزه السابقين.
التقرير لم يغفل ولم يترك شاردة ولا واردة دون أن يتطرق إليها، ولعل ما يؤكد ذلك أرقام ظل وما زال يتحفنا بها ديوان المراجع القومي للمخالفات التي يشتعل الرأس لها شيباً بمبالغ تفوق قيمتها أكثر من (800) مليون دولار.
تأكيدات قاطعة
بدا وأضحاً من خلال تأكيدات قطعها رئيس لجنة حصر ومراجعة الشركات الحكومية محمد أحمد الغالي، في مؤتمر صحفي عقد أمس، أن جريمة مكتملة الأركان ذات تفاصيل دقيقة تلتها إحصائيات ضخمة للمبالغ، تفضل بسردها رئيس اللجنة حينما أفصح عن بيع أهم المرافق الحكومية جهاراً، بمبالغ زهيدة الأثمان وأسعار غير مجزية البت، فكان البائع والشاري ذا صلة عميقة بأصل البيع، حيث كشف الغالي عن بيع مرافق حكومية بأسعار غير مجزية على رأسها فندق (الهيلتون سابقاً) بمنطقة المقرن بمبلغ (48) مليون دولار، كما شملت عملية البيع فندق (بورتسودان، ومصنع غزل الحاج عبد الله) بقيمة (94) مليون دولار، وكشف أن التقييم لبيع هذه المرافق الحيوية والهامة بسعر غير مجزٍ، وأشار إلى أن البيع لم يستثن مصنع جياد، الذي بيع بمبلغ 32 مليون دولار، وقال إن المراجع العام لا يزال يطالب بسداد الفرق في السعر، بجانب مؤسسات منها (مصنع الكدرو والفندق الكبير، والقراند هوليدي فيلا)، وأفصح الغالي أن المؤسسات تم التصرف فيها ولم يتم دفع قيمة الإيجار بالعملة الأجنبية (الدولار)، وفقاً للعقد الموقع بقيمة (350) مليون دولار منها (180) مليون دولار تدفع بالعملة المحلية، وتم التغاضي عن سداد ما نسبته 5% من الأرباح السنوية لم تدفع لحكومة السودان.
بيع واستئجار
مفاجأة فجرها رئيس اللجنة محمد الغالي، استنكر من خلالها حجم التدمير والتبديد للمال العام، وكشف عن بيع “الفلل الرئاسية” دون إجراء عملية تقييم فني ومالي، بقيمة (50) مليون دولار، كانت الدهشة حاضرة حينما أفصح الغالي عن الجهة التي أكملت عملية الشراء، حيث تم البيع لبنك أبوظبي الوطني، الأكثر غرابة في الأمر أن بنك أبوظبي الوطني قام بإيجار (الفلل) الى السفارة الأميركية بمبلغ 50 مليون دولار في العام، إجراءات بيع تمت بمبالغ زهيدة، بدت الحسرة واضحة على رئيس اللجنة، حينما وصف ما تم من إجراءات البيع، بأنه هدر وتبديد للمال العام، إلا أنه تعهد بإرجاع كل تلك الأموال من خلال الملاحقة القانونية والمطالبة، بإعادتها للخزينة العامة.
مخالفات ضخمة
عقود صورية كشف عنها المراجع القومي لا أساس لها من الصحة، حيث أقر الغالي بوجود مخالفات كثيرة للشركات الحكومية منها شركة التكامل للاسمنت التي وقعت عقد استشارات فنية مالية إدارية بمبلغ (140) مليون دولار، وكشف عن إيقاف تنفيذ العقد من قبل المراجع العام في اللحظات الأخيرة باعتباره عقداً صورياً لا أساس له من الصحة، مبينًا إزالة مديونيات شركة أساور للنقل وشركة (إس إس إس) البالغة (871) مليون دولار دون إرفاق مستندات مؤيدة لمشروعية الإزالة، وقال: هناك بعض الشركات الحكومية المراجع العام لا علم له بها، وقال: سنوجه للنائب العام بفتح البلاغات التي تم شطبها.
هجوم عنيف
هجوم عنيف شنه رئيس لجنة حصر ومراجعة الشركات الحكومية على إدارة الهيئات العامة والشركات الحكومية بوزارة المالية ووصفها بالفاشلة، ولم تقم بدورها أو تفعل وتدعم بكفاءات، مبيناً ضعف الإدارة الحالية رغم أهميتها، ولا تملك كنترولاً على الشركات الحكومية أو العلم بها، وأضاف أن الشركات الحكومية تخفي نفسها وتعمل بطريقة (غير قانونية) وبها فساد كبير، ولابد من حسمها، لأنها تمثل نزيفاً حاداً للخزينة العامة، ويجب إغلاق أبواب ونوافذ الفساد.
وفي ذات السياق، كشفت المستشار بالمسجل التجاري العام بتول حماد، أن مهمة اللجنة حصر الشركات التي تُساهم فيها الحكومة والبالغة (866) شركة منها (431) شركة تتبع لأجهزة الدولة وعاملة، ومنها (435) شركة تم حذفها وتصفيتها، كما أن الشركات تحت التصفية بلغت نحو (54) شركة مساهمة عامة، ثلاث خاصة، وأشار إلى وجود (105) شركات لم تكمل ملفاتها بإدارة التسجيلات التجارية، وأوصت اللجنة بإعلانها في الصحف لتوفيق أوضاعهاواتخاذ الإجراءات القانونية، وهناك 431 شركة من ضمنها تمت مراجعتها وحصرها و193 لم تخضع لمراجعة، وديوان المراجعة لا علم له بكيفية مراجعتها أو العلم بها.
من جانبه، أكد ممثل المجلس العسكري، وعضو اللجنة العقيد يوسف نور الدائم، أن المجلس بحث في الأسباب التي أدت إلى إهدار المال العام، وتم التوجيه بإحالة تقارير المراجع العام القومي الخاصة بالمخالفات بفتح بلاغات ضد المعتدين على المال العام، وإعادة فتح البلاغات، موكداً أن المجلس يعمل على مكافحة الفساد، وتم وضع مصفوفة بـ11 توصية بشأن الشركات الحكومية التي تتبع لأجهزة الدولة، وزاد: المجلس بدأ بالشركات الحكومية، ليؤكد أن لا كبير على القانون، والتحقيق سيشمل مؤسسات القوات النظامية كافة.
عقود صورية
وأكد نائب المراجع القومي، د. محمد الحافظ أن الاعتداء على المال العام فعلياً يتم في العقود والمشتريات والمعاملات الصورية، مبيناً مراجعة م بين 240 إلى 250 شركة، وقال: من المفروض على إدارة الاستثمار وهى الوحدة الموجودة في وزارة المالية متابعة تلك الشركات بصورة يومية، مبينًا أن تقرير المراجع للعام 2017م أثبت أن هنالك 431 شركة منها 12 فقط أدخلت عوائد أرباح لوزارة المالية، ووصف شهادات شهامة الحكومية بالخطأ في تطبيقها بنسبة 100%، وهي سندات خزانة فوائدها حوالي 1.5% أو 2.5% فقط من الاستثمارات، داعياً الى تطبيقها، على الوجه الصحيح لتقديم صكوك إسلامية بديلة للسندات الحكومية لإصلاح الاقتصاد، وأكد مسؤوليتهم عن أي حالات جريمة أو اعتداء على المال العام، موضحاً مخاطبتهم الوحدة المعنية لاتخاذ الإجراء القانوني، وزاد: لدينا ملفات كثيرة ذهبت للنيابة، ونحن متأكدون من أن الأدلة قاطعة، ونبحث عن أدلة إثبات في قضايا تم استكمال كل إشكالات الاعتداء، وشطبت قبل ذهابها للمحكمة، ونحن غير مقتنعين بهذا الشطب، مطمئناً بمحافظ الديون على مهنيته.