8 سبتمبر2022م
سؤالٌ أربكني..
وكان من تلقاء من مشى معي – بالصدفة – أمس: يا أستاذ نحنا ماشين وين؟..
فانتبهت؛ فإذا هو شابٌ ينضح وجهه أسىً… ويأساً… وحُزناً..
فانفلتت من فمي عبارةٌ لم تأخذ دورتها داخل عقلي: ونحنا ماشين من أصله؟..
ثم اخترق نظري وجهه..
واخترق عقلي حدود المكان… وحجب الزمان..
وأوجداني في زمان بعيد – وأنا صغير- أجهد عقلي لفهم أشياء ذات صلة بالمشي..
وإلى يومنا هذا – وأنا كبير – ما زلت لا أفهم..
ومنها حكاية جدتي لأمي – ابنة ساتي فقير – مع مساكنة لنا طيبة..
فهي طيبة؛ وذات اسم على مسمى… طيبة..
أو حكايتهما هما معاً مع مشيٍّ على درب لا يمشي..
وربما العكس صحيح؛ بمعنى أن الدرب كان يمشي وهما لا… فهو إشكال غيبي..
وإيليا أبو ماضي جعله إشكالاً فلسفياً في قصيدته الطلاسم..
فقد أنشد متسائلاً:
وطريقي ما طريقي… أطـويل أم قصير؟..
هل أنا أصعد…… أم أهبط فيه وأغور؟..
أأنا السائر في الدرب… أم الدرب يسير؟..
أم كلانا واقف……….. والدهر يجري؟..
لست أدري…
وربما كانت جدتي تطرح الأسئلة هذه ذاتها وقتذاك؛ ولكن بلغتها النوبية الرصينة..
فقد كانتا – هي وطيبة – راجعتين من الغيط عصراً..
وظلتا تمشيان على الدرب – أو هو الذي يمشي – إلى أن جن عليهما الليل..
ثم انتبهت فجأة إلى العرجون الذي تحمله رفيقتها بيدها..
فلما سألتها عنه قالت إنها انتزعته من نخلة مطرِّفة مرا بها عند حدود السواقي..
فرجتها أن تلقي بها؛ وكان محض رجاء يائس..
ولكن – ولدهشتها – انتهى الدرب الذي كان يبدو لهما بلا نهاية..
وأوجدتا إحابة عن سؤال أبي ماضي:
أأنا السائر في الدرب؟… أم الدرب يسير؟..
ولكنا لم نجد إجابة عن سؤال دربنا السياسي الطويل… الطويل… الطويل..
فقد ظللنا نسير لأكثر من ستين عاماً… ولم نصل..
أو يصل بعضنا إلى نهاية دربه؛ فيموت… ولكن بلادنا لا ينتهي دربها أبداً..
درب التوهان؛ كتوهان جدتي ورفيقتها طيبة..
فهل هو يسير؟… أم الدرب الذي يسير؟… أم كلاهما واقف والدهر يجري؟..
هو قطعاً لا يدري… ولا نحن ندري..
بل ربما كان يسير إلى الخلف… ولا يدري..
تماماً مثل سيارة قُرقار – الجيب – تلك… في زمنٍ مضى..
فقرقار هذا كنا نزف عربته بأهزوجة: يا قرقار… فولك حار… فيه الشطة والشمار..
وفجأة حلت الحيرة محل الطرب لما رأيناها تسير عكسياً..
كان يمشي بها – أو تمشي هي به – في اتجاه الخلف أياماً… جراء عطلٍ ما..
ولكنه – على أية حال – كان يصل… ولو بكثير جهد..
بينما بلادنا لا تصل… ولا نحن نصل..
وحين عاد نظري – وعقلي – من رحلتهما الماضوية هذه انتبها إلى الدرب..
فانتبهت إلى الشاب الذي كان لا يزال يمشي بجواري..
كم هو طيب؛ كطيب رفيقة جدتي تلك طيبة..
فقد كان في انتظار إجابة منطقية عن سؤاله؛ ولم يجد مني سوى إجابة غيبية..
إجابة ليست بأفضل منطقاً من إجابة جدتي عن سؤال: ما لهذا الدرب يأبى انتهاءً؟..
وذلك أصيل أن سارا في دربٍ لا نهاية له..
أو في دربٍ كلما ظنا أنهما – هي وطيبة – بلغا نهايته وجدا نفسيهما عند بدايته..
إجابة انتزعتها من ثنايا ماضٍ سحيق..
من تخوم غيطٍ بعيد…… من ذكرى نخلة مطرفة عند حدود عقلي..
وكانت من كلمتين فقط:
عرجونٌ ملعون!!.