كان ياما كان… في قديم الزمان…كان (أولاد الناس) في مجتمعنا السوداني العريق…هم تلك الفئة الصفوية من حيث الطبقة الاجتماعية والدرجات العلمية وأسلوب الحياة والأخلاق وحتى الانتماء القبلي، كانوا هم الركيزة الأساسية التي تحقق للمجتمع التوازن الإنسانى اللازم، وتحفظ له تماسكه ووعيه والتزامه كان (أولاد الناس) دائماً على قدر كبير من الأناقة والكياسة واللباقة بمكان… كانوا مهذبين جداً.. يجيدون ممارسة الاحترام والتقدير .. ويترفعون عن الصغائر والكبائر لا ينزلقون في المتاهات ولا ينحرفون عن المسار المعتدل الذي توارثوه كابراً عن كابر.. وإذا أردت أن تصف أحدهم بتمام الأدب والرقي والتربية القويمة، ما عليك إلا أن تطلق عليه (ود ناس) وكفى.. ليفهم المستمع أي الدرجات الرفيعة يتبوأها في درجات الحياة !
* الآن…. ومثل كل الثوابت التي تبدلت… والجمال الذي تحول في حياتنا إلى خلفيات مشوهة… تبدل أولاد الناس…. وما عاد لهذا المصطلح مكان من إعراب الجلال إلا من رحم ربه !! أصبحت أضابير الشرطة وحكايات الشارع العام وأخبار الصحف تضج بالجرائم المدهشة التي لم يعد يرتكبها سوى الموقرين أعلاه!! لم يعد للص تلك الصورة الذهنية التقليدية المرسومة في خيالنا منذ الأزل، لذلك الكائن القذر الحافي والمتعري ببشرته الحالكة ورائحته النتنة…والذي يتسلل إلى إحرازنا في غفلة منا .. ولايبدأ دوامه اليومي إلا بعد منتصف الليل !! أولاد الناس الآن يكذبون…ويتسربون من مقاعد الدراسة… ويتواقحون في الطرقات !! بل ويسرقون… ويبرعون في ارتكاب الأساليب.. وهم في كامل هندامهم… بل ويسرقون حتى (الناس) الذين أنجبوهم ومنحوهم الألقاب العائلية الرنانة والبرستيج !!…
* وأولاد الناس الآن يزنون…وتضج دار المايقوما المغلوبة على أمرها بضحايا الخطيئة التى ارتكبها اثنان من أبناء الطبقات البرجوازية أصحاب السحنات البراقة والبشرة البيضاء والشعر الناعم المنسدل، دون أن يراعوا ضمائرهم في تلك اللحظة التي لم يكن يعنيهم فيها سوى إشباع رغباتهم الوضيعة، وتحقيق المزيد من المتعة التي وجدوا كل السبل إليها ميسرة منذ جاءوا للحياة، فأصبحوا من الاستهتار واللامبالاة بمكان، لا يسمح لهم بالالتفات للمحاذير أو مراعاة الوازع الديني والإنساني !! أولاد الناس على أيامنا هذه هم أس الفساد… والنصب… والاختلاس…والرشوة… واستغلال النفوذ لظلم العباد دون رحمة أو هوادة !!
* هؤلاء هم السواد الأعظم من أولاد الناس الذين نرفعهم علينا درجات… ونمنحهم ميراثاً كاملاً من التبجيل والانبهار… ونشعر في حضرتهم بالدونية !!!… كل هذا وأكثر لأن الطبقة المتوسطة التي كانت بمثابة صمام الأمان لمجتمعنا المحافظ حينها قد انقرضت وضاع أثرها…. وأصبحت الأموال الطائلة التي تحصّل عليها البعض بسهولة في يد من لا يُحسن توظيفها ويبرع في صرفها على (الفارغة)… ويجعلها في يد المراهقين دون حساب!
* لقد بدأتُ أعيد تقييمي لتلك الفئة…. مع كامل احترامي للنماذج المشرفة لأولاد الناس الفعليين الذين لا يزالون بخير…. ولكني أرى أن نُعيد النظر في تعريف هذا المصطلح وتداوله والتعامل على أساسه قبل أن نمنح البعض شرف الانتماء إليه، وهم أبعد ما يكون عنه.. وأقرب ما يكونون لأبناء الرجس والشيطان والعياذ بالله .. ومن وجد في نفسه تحفظاً على رأيي هذا فعليه بزيارة دار المايقوما وحراسات الأقسام عاجلاً، والأمر متروك بعدها لتقديراته الشخصية حالما كان له ضمير وعقل وكان (ود ناس) !!!
تلويح: أسوأ ما في الأمر أن بعض (بنات الناس) ما عُدن يصلحن لممارسة الأمومة…
فكيف ننتظر أن نعد شعباً “طيب الأعراق”؟!