إبراهيم شقلاوي يكتب: حتى لا يرتهن السودان إلى دول منابع النيل
حتى لا يرتهن السودان إلى دول منابع النيل
إبراهيم شقلاوي
يظل الحديث عن أهمية قيام مشروعات إستراتيجية للمياه والري والزراعة حديثاً مهماً بالنظر إلى عامل الجفاف الإقليمي الذي يهدِّد مجرى النيل والمنابع والأحواض المغذية..
هذا ربما يجعل مستقبل حصة السودان من المياه يبدو مرتهناً إلى حدٍ كبير لدى دول منابع النيل الرئيسية ومرتهناً معه بالتالي الإنتاج الزراعي والحيواني.. ونذكر في المدى القريب قد تعرّض السودان لسنوات من الجفاف أثّرت بصورة مباشرة على النزوح وتضائل فرص إنتاج الغذاء.. لذلك تظل ثغرة الأمن المائي بالنسبة للسودان ذات أبعاد إستراتيجية من خلال تأثيرها على اتساع رقعة التصحر وهدر الموارد المائية.. لذلك يقال (من ملك الماء ملك الحياة ومبدأ الوجود)..
فإذا كان الماء علي هذا النحو هو رهان المستقبل.. فهل نملك خياراً آخر غير أن نكسبه ونوظّفه لصالح التنمية والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي لبلادنا.. لذلك على بلادنا التعامل مع هذا الواقع واتخاذ التدابير والاحترازات اللازمة بالاستفادة من الموارد المائية الضخمة التي يزخر بها السودان..
هذا بجانب أهمية التخطيط السليم للاستفادة من سد النهضة الإثيوبي باعتبار أن السد يحقّق فوائد متعددة للسودان ظل يفتقدها خلال السنوات الماضية حيث أشار عدد من خبراء الري السودانيين إلى أنه يمكّن السودان من استغلال موارده المائية بشكلٍ أفضل كما يُساهم في الحد من الأزمات المائية الخانقة والمتوقعة مستقبلاً.. التي تُحرج الحكومات وتتسبّب في العجز الغذائي نظراً لأن الأمن المائي والأمن الغذائي يُشكلان ركنين أساسيين من أركان الأمن الاستراتيجي للبلاد.. وذلك من القضايا المصيرية.. حيث تمتد الفوائد المرجوة في تقليل الاطماء في السدود السودانية مما يرفع كفاءاتها في إنتاج الكهرباء واستقرار المناسيب طوال العام حيثُ يُمكّن ذلك من زراعة ثلاثة مواسم للإنتاج الزراعي.. كذلك يُمكّن من إنشاء السدود السودانية المقترحة بكلفة مالية أقل باعتبار استبدالها بقناطر تُنظّم عمليات الري وتتجاوز عمليات تهجير السكان الذين يسكنون على ضفاف المناطق المستهدفة.. هذا بجانب رفع كفاءة الربط الكهربائي الإثيوبي من (300) ميقاواط حالياً إلى (1500) ميقاواط مستقبلاً، هذا بجانب فوائد أخرى.
هذا التحول يجعل من الأهمية بمكان وضع سياسة مائية وطنية تعنى بتحديد أولويات توزيع الموارد المائية المتاحة وتحديد درجة الاكتفاء الذاتي من الغذاء، بجانب تنمية الموارد المتاحة مع مراعاة التكامل بين الموارد السطحية والجوفية وتطوير الأوضاع المؤسسية والتشريعات المائية.. وتنمية الطاقات البشرية والقدرات الفنية.. والاهتمام بالدراسات الهيدرولوجية وإعداد الخرائط الكنتورية..
كما يجب أن يستعجل الخبراء السودانيين وضع السيناريوهات اللازمة في التعامل مع سد النهضة في جميع الأحوال.. لذلك لابد من قيام قنوات عملاقة للتصريف وذلك من واقع أن أي سد بديهياً له فائدتان؛ الأولى الكهرباء والثانية الري المنتظم.. وذلك يعظم فائدة السودان في جانب الري والكهرباء بالنظر للاتفاقات الثنائية الحالية مع إثيوبيا على الربط الكهربائي.. كما أن السد يُشكل حماية للسودان من الفيضانات وذلك يتوفر من خلال تبادل المعلومات بشأن التشغيل الذي من المتوقع أن تحسمه المفاوضات القادمة بين الأطراف.. كذلك من التحوطات للفيضان لابد من إقامة مفايض عن يمين الدندر (1) ويسار (كنانة) بتصريفات تستوعب أقصى تصريف لسد النهضة وهو (8000) م3ث، هذا لتقليل المخاطر المحتملة.. أما بالنسبة لخزان سنار فهناك إمكانية أيضاً لمفيض الدندر (2) الذي يصب في نهر الدندر.. مما يُشكّل حماية سدي الروصيرص وسنار.. هذه العملية فنياً مُتاحة من واقع الخبرات السودانية في التعامل مع النيل بالرغم من التكلفة العالية، كما أن هناك إمكانات بتحويلها لقنوات ري دائم الجريان حتى تُحقّق الجدوى الاقتصادية المطلوبة.
كذلك لاستيعاب وتوظيف وارد المياه.. هناك حديث عن عدد من المشروعات الزراعية المقترحة التي كثُر الحديث عنها خلال الورش والسمنارات من قبل المهتمين.. آن الأوان للحديث عنها بصورة جادة ودراسة إمكانية تنفيذها.. مثال ذلك ترعة وادي المقدم التي تمر غرب أم درمان (470) كيلو متر لتوفير مساحة (2) مليون فدان صالحة للزراعة حيث يُشكّل المشروع فوائد متعددة منها قيام مشروع زراعي رديف لمشروع الجزيرة بجانب حماية المنطقة المتاخمة من مخاطر السيول والأمطار الموسمية..
خلاصة القول إن السودان مقبل على طفرة تنموية كبرى بالنظر لتجاربه في الاستفادة من مياه الأمطار ومن النيل الرئيس، فقط الأمر يحتاج إلى استعجال الدراسات وتوفير التمويل المطلوب في وجود الخبرات البشرية التي أنجزت العديد من المشروعات التنموية على النيل.. والتي ساهمت في زيادة الإنتاج ودعم الاقتصاد القومي المتنامي الذي يحتاج إلى الدعم المستمر في ظل ازدياد الكثافة السكانية ومهدّدات الجفاف التي تحيط بالمنطقة.. فالسودان مؤهل ليكون الضامن لوفرة الغذاء له ولجيرانه إذا ما توفرت الإرادة الوطنية الصادقة وأحسن استغلال كل هذه الإمكانات بدعم بيوت الخبرة والأصدقاء والصناديق العربية وبنك التنمية الأفريقي والمانحين الدوليين.
دمتم بخير.