5 سبتمبر2022م
كتبت الكاتبة العراقية المسيحية سوسن الرصافي
هذا المقال الهام، الذي يُبيِّن خيانة بعض الحكام العرب لفلسطين وشعبها وللشعوب العربية.
جاء في مقالها أن الوزير الدكتور السوري سامي الجندي وسفير سوريا بباريس في الفترة ما بين ١٩٦٦م إلى ١٩٦٧م. يقول في أحد كتبه..
)جاءني اتصالٌ من الخارجية السورية مفاده بأن وزير الدفاع الإسرائيلي سيزور باريس، فاجتمع معه.
أغلقت الهاتف مستغرباً ما هذا، وأحضرت آلة تسجيل صغيرة وأعدت الاتصال مع الخارجية السورية، مستفسراً عن التفاصيل، ونيتي أن أحوز على دليل حتى لا يتّهموني بالعمالة والخيانة والاتصال مع (العدو).
أين الاجتماع؟ ومتى؟ فاجأوني.
الخارجية الفرنسية ترتب الأمر، فارتحت ضمنياً لأنني حصلت على دليل يبريني للتاريخ.
وفي يوم الاجتماع أبلغتني الخارجية الفرنسية بمكان وزمان الاجتماع، حضرت الاجتماع فألقى علي وزير الدفاع الإسرائيلي قصاصة ورقية فيها جملة واحدة بأربع لغات العربية والعبرية والفرنسية والإنجليزية، وكانت الجملة تقول (قل لحكومتك تلتزم بالاتفاق المبرم بيننا)!
عدت للسفارة وأبلغت بلادي بذلك.
استدعتني الخارجية الفرنسية يوم ٢٥ ايار ١٩٦٧م، وأبلغتني أن اسرائيل ستشن حرباً على الجبهتين السورية والمصرية، وستحافظ على هدوء الجبهة الأردنية من طبريا، موازاة نهر الأردن حتى البحر الميت وخليج العقبة، أبلغ حكومتك بهذا ونحن بدورنا كلفنا الاتحاد السوفيتي يبلغ جمال عبد الناصر لأنه ارتمى في أحضانهم.
جاء صباح 5 حزيران واشتعلت الحرب، وكنا نتابع الأخبار عبر صوت العرب من القاهرة، خسرنا الحرب والأرض في خمسة أيام فقط، وبعد وقف إطلاق النار بيوم، جاءني في السفارة رجل من الجالية السورية ملهوفاً وطلب توسطي لتأمين مقعد وطلب دبلوماسي لضرورة سفره إلى دمشق أو بيروت، فقمت بالاتصال بمدير مطار شارل وحجزت له على متن رحلة متجهة إلى دمشق موعدها ١٢ ليلاً، وبعد شكوكي به، كان عندي موظفة في السفارة تحوز على ثقتي، فشرحت لها ريبتي بالرجل، واتفقنا أن ندعو الرجل على المطعم ونضيفه خمراً مسكراً حتى يثمل، أخدناه الى مطعم يبعد 40 كم في ضواحي باريس، أكلنا وشربنا وشرب الرجل من الخمر حتى سكر على الطاولة، عُدنا برفقته للسفارة وصاحبنا فاقد الوعي. فأدخلناه السفارة وفتشنا حقيبته وثيابه فلم نجد شيئاً، في النهاية شعرت بورقة يخفيها بين وجه الجاكيت والبطانة، فهرعنا خيط البطانة وإذا برسالة داخل ظرف أنيق فيها شكر من المحفل الماسوني في باريس مُوجّهة لوزير الدفاع السوري (حافظ الأسد) على حسب تطبيق الاتفاق المبرم، والإخلاص في تنفيذ الاتفاق بكل تفصيلاته.
صوّرت الرسالة وأعدتها الى مكانها، وأخاطت موظفة السفارة مكانها، وبعد حين قمنا بإيقاظه وذهب إلى المطار وسافر دمشق.
وبعد شهر نزلت إجازة على دمشق، واجتمعت مع أصدقاء ضباط في الجيش السوري نثق في بعضنا، متسائلاً كيف خسرنا الحرب ونعلم وقوعها قبل 10 أيام، أين الاستعداد للمعركة..؟
جاءني الجواب بأن المسؤولين أحضروا نقيباً من محافظة إدلب، وملازماً من دير الزور، وأربعة صف ضباط اختصاص هندسة الغام، ونزعوا كل الألغام المزروعة في الخطوط الأمامية، وعند انتهائهم من العمل، أطلقت المخابرات العسكرية عليهم النار وقتلهم جميعاً في الميدان، وهكذا تمت الصفقة واحتلت إسرائيل الجولان دون قتال، وصعد حافظ الأسد بمباركة إسرائيلية أمريكية لحكم سوريا، وبدأ بالتمهيد لسيطرة طائفته على الحكم).
انتهى كلام د. سامي الجندي.
إنْها مأساة العالم العربي، ضاعت القضية الفلسطينية بين خيانة بعض الحكام العرب، وحسرة الشعوب العربية، مع تأييدها ونضال الشعب الفلسطيني.