4 سبتمبر 2022م
يقال إنّه في السبعينيات، زار السُّودان مندوب شركات بريطانية للدعاية والإعلام بقصد تسويق وتشجيع الشركات السُّودانية باستغلال منابر هذه الشركات البريطانية عبر المنصات العالمية، وقضى حوالى ستة أشهر في السُّودان لهذا الغرض.
وعندما همّ بالمغادرة، زار صديقاً له سودانياَ مُودِّعاً، فقال له السوداني مازحاً كيف وجدت السودان بعد عشر سنوات؟!
وقطعاً سننافسكم ونتفوق عليكم وعلى العالم أجمع بإمكانياته الكبيرة، فأجاب مندوب شركات الدعاية البريطانية وبدون مجاملة، ولا بعد قرن ستفعلون ذلك!!
واستغرب السوداني المزور، وقال ما السبب، هل لأن الحكومة إسلامية والغرب لا يحبها؟
قال لا ليس للموضوع علاقة بالسياسة، مثلاً اليابان وألمانيا من السبع العظام، وسبق أن اجتمع العالم على حربهما.
أنا هنا في السودان منذ نصف عام، التقيت بمعظم قادة المجتمع في السياسة والإدارة والرياضة والأعمال والفن والمجتمع المدني، بل وحتى رجال الدين.
ما لاحظته أن الشعب السوداني يعاني من مرض اجتماعي خطير سوف يؤدي إلى تدميره وهو (التنافس الأسود)، وهذا المرض كان قد أصاب أوروبا ولم تخرج من تخلفها إلا بعد أن تخلّصت منه عبر العلم والحروب التي استمرت عقوداً.
فقال له المزور ماذا تقصد بالتنافس الأسود؟!
قال مندوب الشركات البريطانية، هو الرغبة في إعادة منافسيك الى الخلف وانت في مكانك لا تبذل أي مجهود لأن تتقدم عليهم، ولكن فقط تدمرهم وتعيدهم إلى الوراء.
بهذه الطريقة البلد لن تتقدم، لأن كل من يتقدّم يترصده الآخرون لإعادته إلى الخلف.
وقال فقد جالست الكثيرين، وكل من جالست لا يحدثك عن خططه للتقدم بمهنته أو نشاطه، وإنما يحدثك عن الآخرين حديثاً سالباً فيه اغتيال معنوي، ويخبرك عن التحريض على تكسيرهم وسحقهم، وخطته في ذلك ليست قائمة على المنافسة الحرة، ولكن خُطته لاستخدام سلطة الجهاز الحكومية في ذلك.
إنّ استخدام السلطة السياسية في حسم أشكال المنافسة المختلفة يرهق السلطة التنفيذية والقضائية، ويضيع العدالة، ويزيد التربص، ويضعف دور المجتمع، وحينئذ ينفرد الساسة بأطماعهم وجهلهم وضعف موهبتهم بإدارة الأعمال في مختلف المجالات ويكونوا المسيطرين على البلاد والمجتمع، ويظل المجتمع ضعيفاً وتابعاً، وينتظر الجميع فتات موائد الساسة، وبهذه الطريقة لن يتقدم المجتمع وسيظل راكداً في مكانه ويقوده الساسة ليحارب الجميع بعضهم بعضاً، ويدمر كل واحد الآخر بعون السياسي الذي يقبض المُقابل نفوذاً وسلطةً ومالاً، بينما يقبض المجتمع الريح، وهكذا سيظل المجتمع إنجازه التدمير المُنظّم المُمنهج لموارده من أصحاب المواهب والمبادرات، هذا ما دار بين الزائر والمزور.
وفعلاً هذا الوضع ينطبق على السودان منذ الاستقلال، حيث يتنافس الساسة في تدمير بعضهم بعضاً، وبذلك يُدمِّرون البلد ويشغلونها بالحروب والجهل والتخلُّف وضياع الموارد والحقد والتشفي والانتقام، بل أدخلوا خطاب الكراهية ونتن القبلية والاصطفاف العرقي والقبلي والطائفي، وزادوا عليه بعضهم عمالة وخدمة للخارج، وأدخلوا ثقافة العنف وانتشار الظلم وعدم احترام القانون والظلم، وجعلوا بلاداً حباها الله بكل خيرات الدنيا في نفقٍ مظلمٍ، وزادوا على ذلك عدم الوطنية.
إنّ التنافس الأسود أضر بالسودان ضرراً بليغاً، وجعله في ذيل الدول!!
أيُّها السودانيون، نحتاج أن نجهز على التنافس الأسود ونستبدله بالتنافس الشريف الحر وفق المهارات والعلم والمعرفة والقدرة على الإبداع، وأن يقود الساسة المجتمع للأحسن، وأن يتنافس الجميع ويتسابقون نحو النهضة والبناء والخير لا للتدمير أياً كان شكله، قبلياً أو جهوياً أو طائفياً أو فكرياً أو أيديولوجياً أو عمالة خارجية أو انتقاماً تصفوياً.
إنّ المجتمع يحتاج إلى قادة مبدعين وعاملين ومنتجين وقدوة.
عليه، مطلوبٌ أن نُوطِّن أنفسنا على الفعل والعمل الإيجابي والمنافسة الحرة الشريفة، إنّها صيحة في وادي السياسة السُّودانية المُظلمة.