تجارة العملة
انتعش الجنيه السوداني ليوم واحد، وارتفع سعره لأكثر من عشرة جنيهات مقابل الدولار الأمريكي في أعقاب الاتفاق الذي تمّ بين الحرية والتغيير والمجلس العسكري. إن تمّ سؤال أي خبير اقتصادي عن تلك الأسباب التي أدت لهبوط سعر الدولار، فلن تجد إجابة علمية لذلك، لأنه معلوم أن ارتفاع الجنيه وهبوط الدولار يكون مربوطاً بعملية توفير العملة الصعبة في السوق، وهنا لا نجد أي عملة تمّت تغذية البنك المركزي بها.
هذه الظاهرة تتكرّر من حين لآخر، فحينما تمّ الرفع الجزئي للعقوبات الأمريكية عن السودان هبط سعر الدولار من حوالي (32) جنيهاً إلى (18) جنيهاً لفترة، ومن ثم بدأ التصاعد إلى أن وصل إلى (57) جنيهاً.
كانت زيارة أي مسؤول إلى قطر في فترة من الفترات تُخفِّض سعر الدولار، باعتبار أن قطر كانت في فترة من الفترات تقدم قروضاً ودعومات للحكومة السابقة، اليوم تغيرت المعادلة، فأصبحت زيارة أي مسؤول إلى السعودية أو الإمارات تُخفّض سعر العملة الأجنبية.
كل ما في الأمر أن الاقتصاد السوداني قائم على معادلة مختلة، ليست هناك دراسة حقيقية لحجم العرض والطلب من العملة الاجنبية، وفشلت كل الحلول الأمنية والاقتصادية لاستقرار سعر الصرف، وأعتقد أن هناك أسباباً كانت معلومة للجميع من بينها أن معظم تُجار العملة كانوا يتعاملون مع جهات حكومية هي في أشد الحاجة لعملة صعبة لسد كثير من الثغرات التي قد تكون مُهدّداً أمنياً، كشراء الأدوية أو الوقود والدقيق.
توفير العملة الصعبة في المرحلة المقبلة واحدة من تحديات الحكومة القادمة، لأن المدخل الأساسي لحل المشكلة السياسية هو حل الأزمة الاقتصادية في اعتقادي، وسيكتشف المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير أن الاتفاق الذي استمر لأكثر من ثلاثة أشهر وضحّى من أجله عدد من الشباب، أنه اتفاق لن يُكتَب له النجاح إن لم يجد المال الكافي لتوفير المرتبات، والوقود والأدوية والدقيق.
على الحكومة القادمة أن تستفيد من الأخطاء السابقة التي ارتُكِبت بإهمال قطاعات منتجة كالصناعة والزراعة، وتوليها اهتماماً خاصاً، وتفتح باب الاستثمار في تلك القطاعات بصورة أكثر جدية من ذي قبل، حتى نعبر بالسودان إلى مرحلة جديدة.
الحلول الأمنية التي انتهجتها الحكومة السابقة لم تُجدِ نفعاً، فلابد من عبقرية سودانية بها يمكن أن تتحقّق الآمال، ويصبح سعر العملة مُوحَّداً، وتختفي تجارة العُملة من على الطرقات.