(الراندوك) .. صعود نجم الشباب ولغتهم
الخرطوم: جمعة عبد الله
حملت ثورة ديسمبر – أبريل الأخيرة صعود نجم الشباب الذين برهنوا بالفعل على قدرات فذة في التنظيم وجلد في مواجهة مصاعب التغيير عبر التظاهرات، فتغيرت النظرة إليهم من أنهم جيل مشكوك في قدرته على صنع واقع جديد.
ولم يقتصر التغيير على الآمال فيهم فحسب، بل تغيرت النظرة لما يستخدمون من مصطلحات شبابية كان من العسير في السابق أن تستخدم في الإطار الرسمي وينحصر تداولها على الشباب فيما بينهم.
وشهدت الثورة الأخيرة بروزاً وتنامياً في استخدام مصطلحات شبابية لم تكن مطروقة قبل ذلك، وأسهم الترويج المكثف لهذه المصلحات في انتشارها على نطاق واسع، ولم يخل شارع ولا جدار ولا لافتة من عبارات مكتوبة على شاكة “تسقط بس – صابنها- الحصة وطن- دم الشهيد بي كم- علاوة على شعار الثورة “حرية سلام وعدالة”، كما أحيت الثورة كلمة “كنداكة” التي تطلق على ملكات الممالك النوبية القديمة، لجسارة ووعي الفتيات “الكنداكات” اللواتي شاركن بفعالية في الثورة.
تحية بلغة الشباب
وتغلغلت مفردات الثورة بعيداً في المجتمع لحد لم يجد فيه كبار الساسة وقادة المجلس العسكري عن التعاطي مع هذه اللغة وترديدها بلا توجس، وآخرهم رئيس المجلس العسكري، أعلى سلطة سيادية في البلاد حالياً، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان الذي شكر في كلمته ليل أمس الأول جموع شباب الثورة وخاطبهم بلغتهم قائلا: “إننا نشكر الثوار وناس الرصة والمنصة والسانات والراسطات والناس الواقفين قنا”.
وإن شئنا المزيد من التوضيح لمعاني هذه المفردات لقلنا إن “ناس الرصة والمنصة” أصحاب الثورة الحقيقيين وهم الناشطون بفعالية في تنظيمها وإنجاحها، أما “السانات” فهي جمع “سان” وهو الفرد من الناس، ويطلق على الواحد من الناس كلمة “السان” والراسطات هم الشباب الأكفاء الجديرين بالثقة، وممن لهم قدرات عالية في إنجاز المهام الموكلة إليهم، وأما “الوقوف قنا” فهي كفعل العصا الطويلة التي تغرس في الأرض فتظل تقف بثبات شامخة لا تتزحزح ويقال “الواقفين قنا” كناية عن الثبات.
مصطلحات قديمة
قبل الدخول في معاني ما قال البرهان وبقية المفردات التي يتداولها شباب الثورة، يجدر بنا الإشارة إلى أن هذه المفردات ليست جديدة بأي حال، ولم تكن وليدة الحراك الشبابي الأخير، حيث كانت موجودة ومستخدمة منذ عدة سنوات، وليست وليدة الثورة الحالية بقدر ما أنها كانت متداولة في حيز ضيق لا يتجاوز محيط عالم الشباب فيما بينهم، وكل ما في الأمر أن صعود نجم الشباب واقتدارهم في مجالدة النظام السابق حتى إسقاطه رفع مقامهم في أعين الناس وارتفعت معه لغتهم ومفرداتهم التي كانت توصف ذأت يوم بـ “أنها هابطة” ولا يجوز التحدث بها علناً، دعك أن يتداولها الضباط والرؤساء وكبار السياسيين.
الحصة وطن
وإن عدنا لأحاديث قادة المجلس العسكري والبرهان تحديداً، لوجدنا أن مفردات الثورة شكلت حضوراً راتباً في معظم خطاباتهم، حيث كان الرجل قريباً من ميدان الاعتصام، حيث الشباب الصابنها، وزار موقعهم غير مرة ومن البديهي أن مصطلحاتهم الثورية والشبابية طرقت أذنيه وسمعها منهم، وتواصل معهم بلغتهم مما أكسبه شعبية وقبولاً عند الثوار في بادئ الأمر، كما فاجأ البرهان المتابعين لبدء جلسات المفاوضات بين المجلس وقوى الحرية والتغيير بجملة “الحصة وطن” رائجة الحضور في هتافات الشباب والثوار.
كما حوت بيانات المجلس العسكري المتتالية قبل وأثناء المفاوضات حضوراً لافتاً لمفردات الثوار حيث عمد المجلس إلى النأي من المصطلحات الرسمية في خطاباته الموجهة للشباب.
لغة مجتمع
ويقول العميد “م” ،ساتي محمد سوركتي، الذي خدم سنوات في القوات المسلحة، إن اللغة قبل كل شيء هي “مكون اجتماعي” تتأثر به كل أطياف وشرائح المجتمع والعسكريين والضباط ليسوا مستثنين من ذلك، وقال إن استخدام مفردات الشارع لا تعتبر مشكلة لكونها كلمات دارجة على الألسن وليست مستجلبة من قُطر آخر.
وقال سوركتي لـ “الصيحة”، إنه لا حرج في استخدام مفردات الجيل الجديد خاصة إن تعلق الأمر بخطاب مُوجّه لشباب الجيل نفسه، مما يسهل التواصل معهم بكلمات لها وقع في نفوسهم، مشيرًا إلى أنه لا حرج في استخدام الضباط للغة موجودة بالفعل في المجتمع ويستخدمها قطاع عريض يمثلون أكثر من 60 بالمائة من سكان البلاد.
وينسجم هذا التحليل مع طبيعة القوات المسلحة وأفراد الجيش الذين عرف عنهم أنهم قريبون من الشارع العام خاصة الجند، كما أن الدفعات الأخيرة من الضباط ينتمون لذات الجيل الذي يستخدم هذه المفردات في خطابه اليومي، علاوة على أن الشريحة الأكثر عدداً من تعداد الجيش هم الجندن وهم لصيقون بالشارع وأكثرهم يصنفون من فئة الشباب.
محاولات البشير
وكانت خطابات الرئيس السابق عمر البشير، تحمل الكثير من التقدير لشريحة الشباب، وهو وإن لم يستخدم لغتهم لكنه كان كثيراً ما يبدي تفاعله مع مبادراتهم وظهر في بعض خاطاباته مرتدياً أزياء الشباب والرياضيين، وفي لغته ومخاطباته الجماهيرية لم يكن متمسكاً بالرسميات، وكان كثيراً ما يتحدث بما درج على السن الناس ولغة المجتمع، ويكثر من استخدام الأمثال الشعبية، لكن لم يصل لمرحلة التحدث بلغة الجيل الجديد.