قبل أن تُردّد حيطان فندق كورنثيا أصداء أصوات المُتكلّمين ونقاشات المُتفاوِضين بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، طفق بعض أعضاء الوفد الشريك بعد أن تزاحَموا حول مساقِط الأضواء ولواقِط الأصوات، يتحدثون عن تفاصيل لم تُعلن عن الاتفاق ونسبٍ لم يُصرّح بها، وقالوا عن المضنون به من تفاصيل الاتفاق الذي لم تُصَغ بنودُه بعد، ويتم التوقيع عليه، مُحدّدين نسب المجلس السيادي وأعضائه ومهامِه والحكومة المُقبلة، ومَن رُشِّح لرئاستها، وكيف تضع برامجها وتعمل. والغريب أن الوساطة نفسها التزمت بما جرى التفاهُم حوله، ووضعت ما يقول أهلنا (الخمسة فوق الاتنين)، لم تشرَح أو تُعطِي توضيحات إضافية، وهي أعلم بالتفاصيل التي سيعلمُها القاصي والداني حين تُعلَن ويُماط اللِّثامُ عن نص الاتفاق بالكامل، وما يُثير منه الهياج وما يُثلج بعض الصدور .
كان الله في عون المجلس العسكري، فشريكُه المتأهِّب للسلطة، المُتعطِّش لسلسبيلِها، اللاهِث وراء بريقها، لن يصبر على دقيقة واحدة، يُريد بسرعة البرق كراسي الحكم وما تُنبتُه أرض السلطة من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها، لا يقوى الشريك على صون لسانه والصوم عن الحديث المباح، فلهفتُه على تذوَّق طعوم الوثير من مقاعد المجلس السيادي والحكومة لا تُعادِلها إلا لهفة العاشق الولهان يتحرّق شوقاً للقيا حبيب، فقبل أن يُراش السهمُ رموا كل كنانتهم، وحدَّثوا الرأي العامَ عن الاتفاق كأنهم صنعوا من المُعجِزات ما لم يستطعه الأوائل، ولعمرك ما ضاقت السلطة بأهلها إلا عندما يتعبّدها كل وامٍق، ويعافها كل مُفارِق …!
ولم تهدأ جوانح الوسطاء من الشهيق والزفير في ليلة الاتفاق، حتى همى غيث البيانات، وتسابق الرفاق والأحباب والزملاء والزميلات في إصدار منشوراتهم التي تحوي مواقفهم، حتى تكاد البيانات تتناسَل من بعضها في انشطار أميبي دافِق، فهذا بيانٌ من الحرية والتغيير وذاك بيان من حزب الأمة، وهناك آخر من الجبهة الثورية، ويوجد رابع من تجمّع المهنيين، وصدر خامس وسادس…. وعاشر، من أسماء تنظيمات وكيانات سمّوها هم من قحط البيدر وجدب الأرض وسافية التراب.. ولعلّ السبب في ذلك هو التسابُق في إبداء المواقِف في قضية تُمثّل مزاداً ولوحة إعلانات ضخمة نُصِبت في قارعة الشارع السياسي يُعلّق فيها كل طرف إعلانه وصورته للتغطية عن حقيقة ما جرى من اتفاق .
هذا الشريك وهو يجري لاهياً طروباً بالاتفاق، يُعبِّر عن حالة فوضوية، بدت فيها أطراف من أعضاء الحرية والتغيير فرحين بما آتاهم الاتفاق من سلطة مُنتظرة، بينما آخرون منهم رحّبوا حذِرين، ونفرٌ منهم نفَروا منه مُغاضبين… فهل شريكٌ من هذا النوع بتسرّعه وخَبالِ التصريحات الصادرة منه، يُمكِن أن تُعهَد إليه مسؤولية حقيقية لصيانة وطن وتحصين أمة من الضياع والفتن..؟ وهنا يسأل المجلس العسكري عن مآل “شلاقة” شريكه القادم، هل كل ما ورد على لسان الشركاء صحيح حول كيفية إدارة الفترة الانتقالية، أم لم تزل هناك نقاط جوهرية ينبغي أن يدور حولها حوار وتفاهُم قبل التوقيع على الاتفاقية النهائية..؟
شراكة الحُكمِ ليست لُعبة… هي موقف وطني حاسم وتعاونٌ من أجل مصالح عليا ومنافع الناس وصالحهم العام، على الجميع أن يتحلّى بالروح الجادة والمسؤولية الكاملة لانتشال البلاد من وهاد الضياع، هناك من يظن أن السلطة سيفٌ يُشهَر في وجه المخالِفين والخصوم للانتقام منهم، أو للتعدي على حقوق المواطنين والتسلُّط على رقابهم، ولتَجِدَنَّ في أقوال وأفعال قوى إعلان الحرية والتغيير ملامح للتشفّي والرغبة في الانتقام وإرواء النفس الشحيحة بدماء الأغيار، والتوجّه الازدرائي الأهوج للقانون نفسه وابتساره في لغة الكراهية والإقصاء والحقد الأعمى، وهذا هو ديدن الحزب الشيوعي وتاريخه، وجه مليء بالقيح والدمامل، وتاريخ مُلطّخ حتى أذنيه من دم الفرائس والطرائد، ومَن تمّ الغدرُ بهم غيلةً وانتقاماً.. نخشى أن تمتد هذه الشلاقة السياسية للشريك الجديد ليُحوِّل الفترة الانتقالية إلى ملهاة ومأساة في آنٍ واحد ..