سراج الدين مصطفى يكتب : إبراهيم عوض … هيجتني الذكرى
2 سبتمبر2022م
(1)
إبراهيم عوض .. الفنان الذري كما أطلق عليه المرحوم رحمي سليمان .. فنان نحت بصوته البديع نقوشاً ما زالت ترن في ذاكرة السودانيين.. وتربع على أعلى قمم الحب .. ذلك لأنه انتهج نهجاً جديداً في شكل الغناء الذي يؤديه.. ولعله الفنان الأول الذي كان جريئاً في طرحه الغنائي.. فهو أول من واجه الحبيب وصرح بخيانته في أغنية “يا خائن”.. حيث كان الغناء قبله يتسكع في أضابير الخوف وعدم القدرة على التصريح.. ذلك كان إبراهيم عوض الفنان الذي قدم عطاءً جزيلاً ومتدفقاً وسيبقى مدى الأيام تاريخاً وسيماً ومضيئاً. والرجل يستحق أن نتوقّف قليلاً في سيرته العطرة.
(2)
إبراهيم عوض عبد المجيد حسن حسين داؤود قلاش من مواليد 1933م بحي العرب بمدينة أم درمان وينحدر أصله إلى قبيلة الكنوز النوبية والتي تتخذ من منطقة القلاشاب بمنطقة أسوان مقراً لها وحتى الآن له جذور في دراوة وأبو هور وكبراش وقد اشتهر أهله الكنوز بفن النحت وقد شارك والده ووالد اللواء خالد حسن عباس في نحت تمثال وقاعدة كتشنر الموجودة بمدخل وزارة المالية.
(3)
في مرحلة الطفولة المبكرة، التحق بخلوة الفكي عثمان ثم خلوة الشيخ الشريف الثوري، حيث درس القرآن الكريم والفقه والسنة وقد ساعده ذلك في التمكن من إجادة اللغة وسهولة نطق الكلمات ومخارج الحروف وبعد ذلك انتقل إلى مدرسة العناية الابتدائية والتي كانت تجاور منزل الفنان أحمد حسن جمعة، وفي السنة الثالثة انقطع عن مواصلة الدراسة بعد عدة إنذارات تلقاها من إدارة المدرسة نتيجة لعدم دفع المصاريف الدراسية والتي بلغت وقتها 15 قرشاً فقط ونسبةً لمرض والده ونقله للمستشفى بمنطقة أسوان لم تتمكن أسرته من توفير ذلك المبلغ في غياب عائلها، وقد عمل بعد توقفه عن الدراسة ببيع الاناتيك برفقة شقيقه كمال عوض، حيث كانا يذهبان لمحل الصادق الطاهر بمنطقة (الأسكلا) القديمة والتي كانت بمثابة سوق عام يستقبل البضائع من كل أنحاء السودان، وقد كانت مهمته أخذ هذه الأناتيك والمنحوتات الخشبية والأشكال الفنية من جلود التماسيح إلى محلات الأمين عبد الرحمن، حيث يقومون ببيعها للسياح الأجانب، وبعد ذلك انتقل للعمل بورشة ناصر بشير لصناعة أبواب الحديد والجملونات وقد تعلم الكثير خلال وجوده بهذه الورشة وصار بارعاً في هذا النوع من الصنعة.
(4)
مسيرته الفنية بدأت عندما بلغ سن التاسعة عشر وكان يتردد على منزلهم صديقه علي إبراهيم ابن أخت الشاعر الكبير عبد الرحمن الريح وفي تلك الفترة تعلم عزف العود على يد علي سالم وكان يقوم بترديد أغنيات عميد الفن أحمد المصطفى مثل (أهواك يا ملاك) وعبد الحميد يوسف (غضبك جميل زي بسمتك) وقد اصطحبه علي إبراهيم إلى منزل خاله عبد الرحمن الريح دون أن يلتقي به لفترة طويلة، حيث كان يكبره سناً مما يتعذر الجلوس معه حسب التقليد السائد في ذلك الوقت، كما أنه كان مشغولاً أيضاً بتصنيع الفلكلوريات الشعبية ويتخذ من منزله مقراً لعمله، إلا أنه كان يتابع ما يقوم به إبراهيم عوض من عزف وغناء من خلال الشباك الذي يفصل بين الغرفة التي يجلس بها إبراهيم عوض والغرفة التي خصّصها للعمل والدهم.
(5)
عبد الرحمن الريح ذات يوم أشاد به وقال له: (صوتك متفرد وجميل) ونصحه بالذهاب للإذاعة لمقابلة مدير الإذاعة بعد أن أهداه ثلاث أغنيات وهي هيجتني الذكرى والتي تقول كلماتها:
هيجتني الذكرى/ كيف عيوني الساحرة
يا نواعم تترى/ الشجون مهتاجة
والخواطر سكرى
(6)
وبالفعل ذهب إلى الإذاعة وبرفقته الأغنيات الثلاث والتي كانت شرطاً لاعتماد أي فنان لإجازة صوته بالإذاعة وتمت إجازة صوته بواسطة متولي عيد مدير الإذاعة وقتها وكان ذلك في العام 1953م، وفي نفس اليوم تمت إجازة صوت الفنان الراحل صلاح محمد عيسى وطلب منه تقديم أغنية واحدة فقط لبثها للجمهور ومن ثم تحديد صلاحيته كفنان بعد أخذ رأي الجمهور الذي سوف يبعث خطابات تشجعك أو لا.
غداً نواصل