عبد الله مسار يكتب : كلمة حق عند سلطان جائر
2 سبتمبر2022م
أبو العباس عبد الله بن محمد العباسي هو خليفة المسلمين التاسع، تولى الخلافة في عام ١٣٢ هجرية.
قتل ٣٨ ألف مسلم بعد أن دمر الدولة الأموية وأسس الدولة العباسية ودخل بخيله مسجد بني أمية وعُرف تاريخياً (بالسفاح).
دخل قصره وقال أترون أحداً من الناس يمكن أن ينكر علي؟!
قالوا له لا ينكر عليك أحدٌ إلا الأوزاعي.
فأمرهم أن يحضروه، فلما جاءوا الإمام الأوزاعي، قام رحمه الله فاغتسل ثم تكفن بكفنه ولبس فوقه ثوبه وخرج من بيته إلى القصر، فأمر الخليفة وزراءه وجنده أن يقفوا صفين عن اليمين والشمال وأن يرفعوا سيوفهم في محاولة لإرهاب العلامة الأوزاعي رحمه الله، ثم أمرهم بإدخاله.
فدخل عليه الأوزاعي يمشي في وقار العلماء وثبات الأبطال ويقول في نفسه (والله ما رأيتهُ إلا كأنه ذُبابٌ أمامي، يوم أنْ تصوّرتُ عرشَ الرّحمن بارزاً يوم القيامة، وكان المُنادي يُنادي فريقٌ في الجنة وفريقٌ في السعير). والله ما دخلت قصره إلا وبعت نفسي لله عز وجل.
فقال الخليفة أأنت الأوزاعي،
فرد في ثبات يقول الناس إني الأوزاعي.
اغتاظ الخليفة وأراد إهلاكه فقال يا أوزاعي ما ترى فيما صنعنا من إزالة أيدي أولئك الظلمة عن العباد والبلاد اجهاداً ورباطاً هو؟
فقال أيها الأمير يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى).
دهش الأمير من هذه الإجابة المسددة. فضرب بالخيزرانة على الأرض، ثم قال ما ترى في هذه الدماء التي سفكنا من بني أمية.
قال حدثني فلان عن فلان عن جدك عبدالله بن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا يحل دم امرئٍ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: الثيّب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة).
فغضب الأمير جداً ورفع الأوزاعي عمامته حتى لا تعوق السيف وتراجع الوزراء للوراء ورفعوا ثيابهم حتى لا يصيبهم دمه.
فقال له وهو يشتاط من الغضب ما ترى في هذه الأموال التي أخذت وهذه الدور التي اغتصبت.
فقال له رحمه الله إن كانت في أيديهم حراما عليك أيضاً وإن كانت لهم حلالاً فلا تحل لك إلا بطريق شرعي وسوف يجردك الله يوم القيامة ويحاسبك عرياناً كما خلقك فإن كانت حلالاً فحساب وإن كانت حراماً فعقاب.
فزاد غيظ الأمير أكثر وأكثر والإمام يردد جهراً حسبي الله لا إله إلا الله عليه توكلت وهو رب العرش العظيم.
فقال له اخرج علي ورماه بصرة مال ليأخذها فرفض الإمام أخذها فأشار عليه أحد الوزراء يأخذها، فأخذها من يده ونثرها أمامه في أثواب الوزراء والحاشية، ثم ألقى الكيس وخرج مرفوع الرأس قائلاً ما زادني الله إلا عزة وكرامة.
ولما مات الإمام الأوزاعي رحمه الله. ذهب الأمير الى قبره وقال والله اني كنت أخافك كخوف أهل الأرض وما خفت غيرك، والله إني كنت إذا رأيتك رأيت أسداً بارزاً.
كان في ذلك الوقت علماؤنا لا يرضون الدنية في دينهم، ولا يظهرون على الدين أحداً ولو كان رئيساً.
بئس العالم عند باب الحاكم،
ونعم الحاكم عند باب العالم،
وما أكثر العلماء هذه الأيام في أبواب الحكام، فضاع العلم والعالم وضاعت الرعية والحاكم.