1 سبتمبر2022م
أو جحيم السراب..
فكلا العبارتين تصلحان عنواناً لكلمتنا هذه اليوم..
أو لأيامنا الماضيات تلك التي نقص فيها حكاياتنا هذه..
ولأيامنا الحاليات – والقادمات – كذلك..
فالسراب ثابت… وجحيمه مقيم؛ حتى وإن لم يكن هنالك وجودٌ لفيلم السراب الآن..
ولا لجحيمه الذي نتحدث عنه..
والمتحرك إنما هو الزمان… والمكان… والناس..
وفي أيامنا تلك كان حدثاً غير عادي بمحيطنا المدرسي..
وربما غير المدرسي أيضاً… ولكني أحكي عن الذي عايشته..
أو ربما كانت لحظة تستحق تحليلاً نفسياً بما فضحت من مكبوتات دفينة..
فضحتها غصباً… أو عمداً… أو صدفةً… أو لا شعورياً..
وكان من بين المفضوحين ثلاثة من الذين كلفوا بمهمة ضمي إلى تيارهم السياسي..
فقد كانوا الأكثر حرصاً على تكرار مشاهدة (السراب)..
والأشد إعجاباً ببطلة الفيلم ماجدة الصباحي لدرجة التعبير عن (خوفهم عليها)..
وهو خوف لو سمعت به لضحكت بقدر بكائها من (الحرمان)..
ولقي الفيلم رواجاً في المدينة… وقراها… وضواحيها..
وفي مدرستنا الثانوية التي كان اسمها الأكاديمية… وأضحى اليوم الطبري..
تغير الاسم؛ كحال كل شيءٍ متغير..
وبقي – ثابتاً – الذي نتحدث عنه اليوم… وكل يوم..
وفي مدرسة أخرى تزامن مع عرض الفيلم شيء عجيب..
شيء لو وقف عليه نجيب محفوظ لاستلهم منه مادة نفسية لفيلمٍ مشابهٍ آخر..
لا نجيب دارس الفلسفة وحده..
وإنما دارسو علم النفس كذلك… في كل زمانٍ ومكان..
لاستلهموا منه ما يعضد نظريات لديهم… أو يرفدهم بنظرية جديدة..
وكان لهذه المدرسة مسرح كالذي بمدرستنا… بيد أنه (حي)..
فرغم أن مدرستنا هي الأفضل – أثاثاً ورئيا – إلا أن مسرحها (ميت)..
وعلى مسرح تلكم المدرسة تمخطرت حسناء ذات ليلة أدبية..
كانت بطلة المسرحية…
فسلبت العقول…… والقلوب……. والنفوس..
تماماً كما بطلة السراب… الدلوعة ماجدة الصباحي..
أو ما هو مخبوء داخل هذه النفوس… وكامن في ما وراء العقول..
في العقل الباطن الذي هو مستودع (المخلفات)..
مخلفات التجارب الإنسانية غير المرغوب فيها… كما في حالة بطل السراب..
وكما في حالة الذين تعاطوا مع بطلة المسرحية (حالة كونها ذكراً)..
وكما في حالة الكثيرين من (مرتادي) السراب منا..
فبطل السراب – نور الشريف – كان أسير حياة (سرية) تحفها الخطيئة..
فلما جاء أوان الحياة (العلنية) أصابه العجز..
ولم تجن منه عروسه سوى السراب؛ بعد طول ترقب… ولهفة… وانتظار..
وبطل مسرحيتنا دفع ثمن وضعيته الأسرية (وسط البنات)..
ثمن (تدليله) كفتاة بين شقيقاته الخمس؛ وثمن مبالغته هو نفسه في الدلال..
ولا أقول ثمن ملاحته التي هي نعمة من الله..
وعانى بعد ذلك مع مجتمعه المدرسي مثل معاناة بطل السراب مع عروسه..
بل لعله عاش تجربة معاناته ذاتها عند زواجه..
وكثير من أبناء دفعتنا كان السراب سبباً في اكتشافهم المخبوء في دواخلهم..
اكتشافه في الوقت المناسب..
وقبل حلول أوان (المحك)؛ والذي حتماً سيحل..
وتفاوت المخبوء ما بين لهو مع (مساكنة)… واطمئنان لخادمة… واستئناس بوافدة..
وكل ذلك تحت سمع – وبصر – أسرٍ لا ترى في الأمر بأسا..
لا تراه بعين نجيب محفوظ الفلسفية؛ ولا عين سيغموند فرويد التحليلية..
فمعظم نار نفسيات الكبر من مستصغر شرر الصغر..
وسلوا عالمنا النفساني علي بلدو..
ومنها الذي جعلناه – اليوم – عنواناً لكلمتنا هذه..
جحيم السراب!!.