28 اغسطس 2022م
“إذا وصلت إليكم أطراف النعم فلا تنفروا أقصاها بقلَّة الشكر”.. علي بن أبي طالب..!
المثقف السوداني “مسكينٌ”، إذ يقف في أحيانٍ كثيرةٍ مُشتّتاً ضائعاً بين مرجعيَّاتِه الثَّقافية والعِلميَّة ومَوروثاتِه التقليديَّة، تماماً كمن يؤدِّي دَور شخصيتين مُتناقضتين في مسرحيةٍ واحدةٍ. فهو يقضي جُلَّ وقته راكضاً بين خشبة المسرَح وغُرفة الملابس، يُزيل مكياجاً ويضَعُ آخر، يخلعُ عباءة القيصر ليرتدي لِباسَ بروتُس وهكذا..!
حائراً بين ما يؤمن به ويُردِّدُه طوال الوقت وما ترعْرعَ وشَبَّ عليه من أعرافٍ وأفكارٍ كثيراً ما تَقْفزُ إلى السَّطح عند أول اختبار حقيقي لأولويَّاته ومسلَّماتِه كرجل. لذا فهو في الحقيقة شخصيَّةٌ بالغةُ التعقيد، وغالباً ما تُجانِبُهُ النَّزاهة مع ذاتِه قبل أُنْثَاه في تعريفه لمفهوم الأُنثَى الحُلُمْ..!
فاختيار الشريكة المُلائمة التي تَملأ روحَه وقلبَه وتَسرُّ عينَه بينما تُقنِعُ وتُرضِي عَقلَه أمرٌ جَلَلٌ يتطلَّب مُوازنةً مُرهِقةً بين موروثاتِه وتقاليدِه تلك وثقافتِه الحديثةِ وأفكارِه العصريَّة المنفلتَة. هو “مسكين” لأنّه يعشق الأنثى الواعية المُفكِّرة ويظل يحلم بها وما أن يجدها حتى يتعامل مع فكرها وثقافتها بسياسة التعايش في مرحلة ما قبل التملُّك، ثم يبقى في صراع دائم مع ذاته، فيظل يردع فِكْرَهُ الذي يستهجن فِكْرَهَا ويظل يَنْتَهِرُ الآخر الذي يختبئ في ثناياه مُتربِّصَاً إلى حين امتلاكها..!
وهو “مسكين” لأنّه بعد أن يستهلك شجرة ليمون عملاقة ليتغلّب على غثيانه الرجولي إزاء جموحها العصري ــــ وبعد أن يتمكّن من ازدراد ومن ثَمّ هَضم كل ما لا يروقه كرجل تقليدي من أفكار خطيرة تدور في رأسها الجميل، وبعد أن تصبح ملكه وحده ـــــ يتحوّل “وهو معذورٌ في هذا لأنّ الانفجار هو النتيجة المنطقية للضغط المُتواصل” إلى شخصٍ قليل الصبر أمام استقلاليتها، عديم الاحتمال لجموحها، يضيق ذرعاً بكل ما كان يدَّعى التعايش معه سابقاً. أما الأدهى ـــ من هذا وذاك ـــ فهو تأرجُحه المُدهش بين مُحاولة السيطرة عليها من جهة، واختناقه من فكرة كونه فلَكَهَا الذي باتت تدور حوله من جهات أخرى..!
وهو “مسكين” لأنّه على العكس من نُظَرائِه من الرجال في الأصقاع الأُخرى رجلٌ متطلِّبٌ، كثير الشكوى فيما يختص بالجوانب التقليديّة في الأنثى. فلا هو يُريدها مُثقفة مُفكِّرة مُستنيرة فقط، ولا هو يُريدها أنثى تقليدية وكفى، بل يريدها أن تتشكّل، تتلوّن وفق أحواله المزاجية، فتارةً مُثقفةً مُفكِّرةً وتارةً دمية جميلة فارغة..!
والعبء كلُّه – من وجهة نظره – يقع على “شقية الحال”، فهي التي يجب عليها أن تتلوّن كأطياف قوس قزح وأن تتقلب كمناخ صحراوي مُتطرِّف، فَتَبُزُّ أُمَّهُ التي أنجبته في فنون الطبخ بدءاً بملاح الرُّوب والعصيدة وانتهاءً بالمطبخ الصيني، بينما تتفوّق على نجمات السينما أناقةً ورشاقةً وفتنةً..!
تفعل كل هذا وهي تقرأ وتُحلِّل وتُناقش وتستنبط وتكتب وتؤرِّخ، ثم تعود لتَبُزَّ أولى حبيباته إلهاماً لقلَمِه وتحفيزاً لخفقات قلبه. عليها أن تكون كل نساء الأرض والويل كل الويل إن هي قصَّرَتْ. بقي الأهم وهو أن تعرف متى تكون هذه ومتى لا تكون تلك. أعَانَها الله وإيَّاه..!