من يعمل ضد الاتفاق..؟
يُواجِه الاتفاق الذي تمَّ التوافُق عليه بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، عقبات رئيسة قد تتسبّب في ….. تقدّمه نحو منصات التنفيذ، وليس هناك ما هو أكبر من العقبات التي تصنعها قوى الحرية والتغيير نفسها مع بعضها البعض، وما يعتمل في داخلها من خلافات بين مُكوّناتها، التي بدأت التراشُق بالبيانات والتصريحات، بالإضافة إلى أن مجموعات شبابية وفصائل من مناطق جغرافية في الشرق وجبال النوبة والنيل الأزرق ودارفور ومناطق أخرى بدأت في إطلاق تصريحات تُدمِغ القيادات المُتنفذّة في الحرية والتغيير بتُهمة التهميش والإقصاء والإبعاد لمَن ساهموا معهم في أيام التظاهُرات والاعتصام.
وحسب المعلومات من داخل صفوف الحرية والتغيير، هناك حملة رفض مُتباينة الصوت والمدى بدأت تجهَر برأيها في الاتفاق مُدَّعِيةً عدم تلبيته للمطالب التي رُفعت، وجاء دون الطموح، بينما تقول مصادر ذات اطلاع إن الحزب الشيوعي المُشارِك في عملية التفاوُض التي أفضت للاتفاق بدأت أجهزته الداخلية ومؤسساته المعنية بتحريض الشارع بالعمل على مناهضة الاتفاق بطريقة غير مُباشرة عن طريق لجان الأحياء ومجموعات الناشطين والواجِهات الأخرى، وقد تظهر في غضون الأيام المُقبلة حملات مُنظّمة للتصعيد ضد المجلس العسكري وضد الاتفاق.
في ذات الوقت، صدر بيانٌ منسوبٌ للجبهة الثورية تنتقد فيه الطريقة التي تمّت بها عملية الاتفاق، وتتهم قيادات التفاوُض ووفدها بمحاولة تغييب عناصر الجبهة الثورية والحركات المسلحة. وواضح من البيانات المُقابِلة الصادِرة عن الحرية والتغيير وتجمّع المهنيين ومحاولات التبرير الصادرة عنها، أن هناك عاصفة من الانتقادات الداخلية ومعركة تدور رحاها في صفوف هذا التحالُف السياسي.
في ذات الوقت نظرت مجموعات من المراقبين ومتابعي الشأن السياسي بقلق بالغ، للتصريحات التي أدلى بها عضو الوفد المُفاوِض من الحرية والتغيير القيادي الشيوعي صديق يوسف لـ”بي بي سي” BBC نُشِرت أمس تحدّث فيها عن طي صفحة العسكر بشكل نهائي وإلى الأبد، وأن الاتفاق هو تمهيد لإخراج القوات المسلحة والقوات النظامية من المشهد السياسي، وسيتم دمج قوات الحركات المتمردة داخل القوات المسلحة، ويُعيد هذا الحديث للأذهان ما قاله قادة وكوادر من الحزب الشيوعي في مُخاطبات علنية أيام الاعتصام عن ضرورة مراجعة المؤسسة العسكرية وحل جهاز الأمن والحديث عن إصلاحات للشرطة، وهو حديث ظلّ يُثير حساسيات دائمة خاصة أن هناك أحاديث سابقة نُسِبت لصديق يوسف نفسه ولمحمد يوسف أحمد المصطفى في نفس الاتجاه أثارت تساؤلات لدى القوات النظامية التي تظن أن دورها الوطني ظلّ متصلاً منذ الاستقلال والمطالبات بإعادتها إلى الثكنات ينم عن قصور نظر واستهداف واضح لها كمؤسسة وطنية لا تتحرّك بأهوائها وأطماعها تجاه السلطة.
ما يحتويه المرأى السياسي من تطوُّرات وانعكاسات للاتفاق الذي سيُوقَّع قريباً، يشير إلى أن هناك عقابيل وأحابيل تعيق الاتفاق، وأن القنابل الموقوتة التي تُحرِّك فتيلَها دون وعيٍ عناصر الحرية والتغيير قد تنسف الأمل بالاستقرار والسلام الداخلي، وربما تُعيد البلاد إلى ما هو أخطر من المرحلة المقبلة، فنُذُر الخلافات الداخلية لهذه المجموعة ومُكوّناتها الخمسة ستكون مُدمِّرة لها أكثر من مناهضة خصومها وغُرمائها السياسيين لها، وإذا حاوَل الحزب الشيوعي جر هذا التحالُف إلى استعداء واضح للقوات المسلحة سيكتُب شهادة وفاة للاتفاق الذي أُبرم وسترجع البلاد إلى دائرة المُواجَهات مرة أخرى.
من أجل الحِفاظ على بيئة سياسية جيدة حتى تتقدم العملية التصالحية إلى الأمام، وتمضي الفترة الانتقالية بسلام، لابد من لجْمِ ألسنة أمثال صديق يوسف وغيره من الموتورين داخل حزب اليسار، وهم في ما يبدو غير راضين عن الاتفاق، وما تمخّض عنه، وهُناك تحريض لا يزال يعمل ومحاوَلات التَّلوِيح باستمرار التظاهُرات والاحتجاجات، وهي كلُّها لا تفيد الآن شيئاً، فالأفضل هو أن يتوجّه الجميعُ نحو مُربّع جديد، لتكوين مؤسسات الحُكم الانتقالي وترشيد الممارسة السياسية وتنقية الأجواء من التوتّرات وحث الجميع على توافقات بنّاءة تُمهِّد الطريقَ لإقرار مناخ وقواعد التحوّل نحو الديمقراطية والانتخابات.