* مع أن اتفاق المجلس العسكري (الانتقالي) وقوى الحرية والتغيير على تشكيل الحكومة (الانتقالية) لقي ترحيباً لا بأس به، غير أن هذا الترحيب لا يقف حائلاً أمام الإشارة إلى قصور واضح في عمل الوسيط الأفريقي بإهماله لأطراف مهمة في وساطته. ورغم ذلك فإن الاتفاق بين العسكري والحرية سيكون مخرجاً – ولو حرجاً- إذا صدقت النوايا ولم تتشاكس المكونات الهشة لقوى الحرية، ولم يختلف الشريكان في التفاصيل أو ينكث أحدهما أو كلاهما عن العهد الذي قطعاه للشعب أنهما لن يقصيا أحداً.
* وقد غطى على تقصير الوسيط وسد ثغرات أُخَر حضور الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي في المشهد السياسي في هذه الفترة الاستثنائية من مسيرة الدولة السودانية، فكان له الفعل الفارق والقِدْح المُعَلَّىٰ في تجاوز البلاد لمنعطف كاد يُرْدِيها هاويةَ الضياع.
* لقاءات الفريق أول حميدتي بالمكونات السياسية والفئوية والإدارة الأهلية وقادة الشرطة وقادة الأمن وقادة وحدات القوات المسلحة وقادة الإعلام والأئمة والدعاة وتيار (نصرة الشريعة ودولة القانون) و(تنسيقية القوى الوطنية) المكونة من (179) كياناً سياسياً ومجتمعياً ولقاءاته الجماهيرية التي فسرها آخرون بأنها تحشيد للثورة المضادة؛ كانت عملاً وطنياً عظيماً حفظ ميزان القوى واجتاز بالاتفاق (الثنائي) عقبة كانت لن تتركه يصمد ولو ليوم واحد.
بهذه الرؤية السياسية وهذا الجهد المضني من التواصل والحوار احتشدت لحميدتي مقبولية قومية جعلت مجرد طلعته وإطلالته من منصة إعلان الاتفاق بين العسكري وقحت تدرأُ عن الاتفاق هجمة مدمرة من قوى شاركت في الثورة وتم تجاوزها في الحوار حول تشكيل الحكومة.
* تلك الحملات المتحاملة والهتافات المتهافتة التي أطلقها البعض ضد الفريق أول حميدتي والفريق الكباشي لم تتعامل معه (تنسيقية القوى الوطنية) والقوى السياسية الأخرى بنفس انتهازية وميكافلية الشعار الذي لم ولن يهتف به أهل دارفور وإنما هتف به آخرون انفضحوا أمام أهل دارفور وأمام الملأ بعد نجاح الثورة. يقول الشعار: (يا عنصري ومغرور كل البلد دارفور)!! فالرجلان حميدتي والكباشي من الهامش ونجحا في مهمتهما القومية نجاحاً مدهشاً ولم يعجب ذلك الذين يغارون – سياسياً- من المجلس العسكري الانتقالي الذي أثبت قوميَّتَه في تشكيله وفي أدائه. بينما الذين رفعوا شعار (كل البلد دارفور) لم يكن بين ممثليهم في التفاوض مع العسكري ممثلٌ لدارفور!!
* أما لقاءات الفريق أول حميدتي بقادة الحركات المسلحة في كل من انجمينا وأسمرا فهو اختراق مُتَفَرِّد في اتجاه السلام، لا يَصْلُح له أحد كما يَصْلُح حميدتي. وهو لقاء يعتبر تاجاً على رؤوس كل اللقاءات منذ الحادي عشر من أبريل وحتى اليوم بما في ذلك لقاء (العسكري وقحت) الأخير. فسلام دارفور والمنطقتين يعتبر إنجازاً أعظم من ثورة ديسمبر نفسها؛ فالدم السوداني أغلى من أن يراق في غير تحدٍّ خارجي؛ وكل التحديات الداخلية يمكن أن تحل بأي حوار غير حوار البندقية. والدم الدارفوري والجنوب كردفاني والنيلي الأزرقي لا ينبغي أن يُراق من أجل التنمية وقد أدت الحرب رسالتها.
* أما الأساس العسكري الذي وقف عليه حميدتي ليتجاوز بالبلاد هذا المنعطف الخطير بجانب رفقاء السلاح في المجلس العسكري فهو يتعدى الإسهام الكبير في تأمين الخرطوم وكافة أرجاء البلاد إلى جعل السودان عمقاً أمنياً استراتيجياً للأشقاء في الخليج فضلاً عن الشمال الأفريقي، مما كفى السودان شر تعامل القوى الإقليمية والدولية معه بمعزل عن مصالحها.
* وبهذا الثقل العسكري وهذا البعد الخارجي كانت وقفة الفريق أول حميدتي نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي على منصة إعلان الاتفاق ذات ثقل وبعد خاص.
* عموماً، فالمجلس العسكري قادر على التعبير عن مكوناته بصوت واحد كما هو قادر على التأثير على القوى السياسية الأخرى غير (قحت) وإرضائها بالاتفاق الثنائي. فهل بمقدور (قحت) أن تُعَبِّر عن مكوناتها بصوت واحد فتَعْبُر مع المجلس العسكري بالبلاد إلى شاطئ الشرعية الدستورية والاستقرار؟! أم يحدث الأمر المؤسف بأن تهزم (قحت قحت) ثم تعلق كل إخفاقاتها على شماعة الوهم المسماة بالدولة العميقة؟!
* تخريمة: وقفة كل من الفريق العطا والفريق شمس الدين عن يمين ويسار الفريق أول حميدتي على المنصة فيه رسالة تشي بلُحمة القوات النظامية. أما وقفة (جدو) صديق يوسف و(جدو) إبراهيم الأمين على يمين ويسار (عمو) الدقير فقد جعلت المتابعين يتساءلون: أين الشباب؟! كما جعلتني أجمع أعمارهم الثلاثة بالتقريب فأجدها حوالي قرنين من الزمان! فبدا لي أننا في يوليو 1819م! ولسنا في يوليو 2019م وأن الجانب العسكري هو الذي يمثل شباب الثورة.