متكرِّرة كل عام كوارث السيول والفيضانات.. من المسؤول؟
الخرطوم: نجدة بشارة. 27 أغسطس 2022م
تتكرَّر كوارث الأمطار والفيضانات في السودان في كل عام، وتزداد معها رقعة المتضرِّرين والضحايا، وتفتح الباب أمام أهمية المساءلة حول أسباب تكرارها سنوياً بدرجات متفاوتة رغم الموعد المعلوم لحلول فصل الخريف من كل عام، وتصريحات السلطات السنوي المتكرِّرعن تجهيزات الخريف، وتشكيل لجان وغرف عمليات حكومية.
بينما يتعامل الكثير من السودانيين مع كوارث الخريف، باعتبارها جزءاً من أقدار الطبيعة ومشيئته التي لا ترد، يرى مختصون أن سوء التخطيط والإهمال يشكلان أسباب أساسية لتكرار تلك الظاهرة المدمِّرة. فيما يُعزي آخرون كوارث الخريف لضعف وربما غياب البُنى التحتية، مجاري – طرق – كهرباء – مياه في معظم مدن السودان، إضافة لعدم وجود نظم مهنية عملية صارمة للرقابة البيئية والعمرانية والصحية.
فوق التوقعات
نفى الناطق الرسمي باسم الدفاع المدني العميد عبد الجليل عبد الرحيم، في حديثه لـ(الصيحة)، أن يكون هنالك تكرار للفيضانات بذات المناطق في كل عام، وقال إن منطقة المناقل مثلاً لم تتعرَّض للفيضان في العام السابق، كما أن السيول اجتاحت شرق بربر العام الماضي ولم تجتاح المناطق التي تعرَّضت للفيضان هذا العام .
وأوضح عبد الجليل بأنه رغم الترتيبات والتجهيزات المبكِّرة لكن كمية المياه هذا العام كانت كثيرة، وفاقت التوقعات والكمية التي دخلت منطقة المناقل فاقت الـ(100) مليون، بينما سعة المصرف الرئيس للمناقل، استيعابه حوالي (6) ملايين مكعب فقط، أيضاً منطقة دنقلا تجاوزت كمية الأمطار المتساقطة (57)، بينما نوعية المباني والأسقف غير مصممة لاستقبال هذه الكمية من المياه مما أدى إلى انهيار الكثير من المنازل.
وقال: هنالك غرفة للطوارئ تنعقد بصورة يومية لرصد ومتابعة الفيضان، لتنسيق الجهود وتبادل المعلومات وتحديثها، إضافة إلى الوقوف على المناطق المتضررة وقياس حجم الأضرار .
وأكد أن المجلس القومي للدفاع المدني أرسل لكل الولايات معينات الطوارئ، في ذات الوقت أرسلت وزارة الصحة حصتها من أدوية الطوارئ للولايات.
أما فيما يتعلق بالبُنى التحتية والطرق والجسور فإن الهيئة أجرت إصلاحات على الطرق والجسور قبل الخريف، لكن أرى أن الخريف هذا العام مختلف من حيث كمية المياه الواردة، والشاهد أن النيل الأزرق لم يخرج حتى اليوم من مجراه الطبيعي، ربما وجود بعض المتنفسات البسيطة.
وأوضح أن الوضع حتى الآن تحت السيطرة، وهنالك قوافل كبيرة لدعم المناطق المتضرِّرة.
أضرار جسيمة
وربما باتت كوارث سقوط الضحايا والمنازل والمرافق العامة سمة ملازمة للأوضاع في كافة ولايات السودان. لا سيما ولاية الخرطوم، إذ يشهد السودان سنوياً خلال فصل الخريف سقوط أعداد كبيرة من الضحايا البشرية، ووقوع خسائر مادية ضخمة في المنازل والزراعة.
حيث ارتفع عدد قتلى السيول الناجمة عن الأمطار الغزيرة في السودان إلى (79) شخصاً، فضلاً عن تضرر عشرات الآلاف من المنازل، لا سيما في ولاية الجزيرة.
وأعلن المجلس القومي للدفاع المدني إصابة عشرات المواطنين، وانهيار أكثر من (35) ألف منزل، بشكل كلي وجزئي.
كما لفت إلى أن المياه غمرت أكثر من (1400) فدان زراعي، و(33) مرفقاً، وعشرات المزارع ونفوق ما يفوق المئة من الماشية.
بدورها أكدت مصادر أن الوضع كارثي، مؤكدة انهيار مئات المنازل وهرع السكان إلى ملاجئ تقيهم، بمساعدة العديد من الجمعيات الأهلية.
فيما قدّر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أن حوالي (38) ألف شخص، في كل أنحاء السودان تضرَّروا من الأمطار والفيضانات منذ بداية موسمها.
وبحسب أوتشا كان نحو (314,500) شخص، قد تضرَّروا سابقاً خلال موسم الأمطار في العام 2021م.
غياب الحكومة
يشار إلى أنه عادة ما تتساقط أمطار غزيرة في البلاد بين مايو وأكتوبر وهي فترة تشهد خلالها البلاد فيضانات خطرة تلحق أضراراً بالمساكن والبنية التحتية والمحاصيل.
وتعد أكثر ولايات السودان تأثرًا بفيضانات ولاية نهر النيل في شمال البلاد وكسلا في الشرق وجنوب كردفان وجنوب دارفور في الغرب.
ويرى محلِّلون أن أسباب هذه الكوارث الموسمية أن الحكومات والنظم السياسية المتعاقبة على حكم السودان لا تنظر للمستقبل بأبعد من اليوم التالي في أفضل الظروف، فعندما تقع الكارثة يهب كبار المسؤولين إلى المناطق المنكوبة، ويتعاملوا مع الكارثة بدفع التبرعات المالية أو عينية غالبًا لا تكفي عُشر ما يحتاجه المتضرِّرون.
أكبر من قدرة المحلية
عزا المراقب والإعلامي من مواطني منطقة المناقل الزبير محمد الزبير، في حديثه لـ(الصيحة) كارثة السيول التي اجتاحت منطقة المناقل هذا العام وأدت إلى انهيار (4443) منزلاً، انهيار كلي، و(5) آلاف منزل انهيار جزئي، و(2) ألف آيلة للسقوط، بينما تأثرت (128) قرية، و(12،230) حجم الرقعة الزراعية المتأثرة، إلى الظاهرة غير الطبيعية، والتي لم تحدث من قبل.
وقال إن المواطنين الآن موجودين في الميادين ومناطق الإيواء .
وأكد الزبير أن السيول التي اجتاحت المنطقة فاقت التوقعات، وأن هذه أول ظاهرة لمثل هذه الكارثة في المنطقة، وقال إن السيول انحدرت من سنار، وعبر هضبة المناقل، ووصفها بالمياه الهادرة حيث أزاحت كل المنشآت في طريقها.
وأكد أن كبار السن في المنطقة أكدوا أنهم لم يشاهدوا مثل هذه الكمية من المياه من قبل، وقال لا أعتقد أن هنالك قصور من قبل السلطات، نسبة إلى أن الترتيبات الروتينية جرت بصورة كاملة قبل الخريف، وأضاف: لكن أعتقد أن حجم السيول والكارثة كانت أكبر من قدرات المحلية والولاية، وفوق التصوُّر.
فيما قال الخبير الجيولوجي عمار شليعة، إن الجيلوجيا تملك خرط قديمة تكشف مناطق السيول والفيضانات، ولكن لا أحد من المسؤولين يستند إليها، وذكر أن غياب وحدة علمية متطوِّرة للإنذار المبكِّر في السودان يجعل المسؤولين في كل عام يصرِّحون بأنهم تفاجأوا بكمية الأمطار وحجمها لأن الوحدة بمقدورها أن تحدِّد حجم الأمطار وموقف الفيضان قبل وقوعه، وذكر أن الحديث بأن الأمطار هذا العام أكثر من العام الماضي وأن الأماكن التي تضرَّرت تختلف عن الأماكن التي تضرَّرت في العام السابق يؤكد الحاجة إلى وحدة للإنذار المبكِّر تملك الوسائل المتطوِّرة .