الشعور بالفشل شعور سييء جداً يصيب الإنسان بالدونية والإحباط ويحرِّك كل الطاقات السالبة فكراً وعملاً ومشاعر في عقل وقلب الإنسان ويقود إلى اليأس والقنوط، ولكن الأسوأ من الفشل هو أن لا يحاول الفاشل تغيير الواقع واستعادة التركيز والعزيمة وزراعة الأمل وصناعة النجاح.
العلوم الإنسانية والبشرية تشهد بأن الإنسان له طاقة إيجابية كامنة يمكن استغلالها إيجاباً بتعديل السلوك، وطبعاً تعديل السلوك ليس فقط للأشخاص الذين يواجهون تحديات عقلية أو إعاقات جسدية وعقلية فحسب، بل لأي سلوك خرج من إطار القيم الفاضلة، أو سلوك قلَّص العطاء وعطَّل الإنسان من أن يعيش بشكل طبيعي أو أن يكون منتجاً، أو أصاب الإنسان باضطراب في المشاعر أو نال من المقدرات والمواهب.
هل السودانيون فاشلون؟
الواقع يؤكد بأن السودانيين فرادى يحققون نجاحات كبيرة وضخمة ويشهد لهم أداءهم في دول الاغتراب والمهاجر بذلك، بل ويُشهد لهم من الآخرين بالأداء المتميِّز أكاديمياً وعملياً، وفيهم الكثير من رجال الأعمال الناجحين والمهندسين والأطباء وأساتذة الجامعات والفنيين من الجنسين في الخليج والمملكة المتحدة والولايات المتحدة يشار إليهم بالبنان.
وتؤكد الشواهد العامة بأن أفراد هذا الشعب لهم مقدرة ذهنية وعقلية جيِّدة ولهم مقدرة على التكييف مع بيئة العمل والالتزام بالقوانين أياً كانت والتعامل معها بكل مهنية والالتزام بكل شروطها وحقها.
ولكن، يبقى السؤال لماذا لا نستطيع نحن السودانيين أن نعمل معاً لبناء بلادنا؟ وهل المقدرات الذهنية والعقلية ومواصفات الشخصية السودانية بها اعتلال وتحتاج إلى إعادة التأهيل وتعديل للسلوك الجمعي، الذي يقود إلى وحدة الأهداف وتحقيق العدالة والسلم المجتمعي والتنمية والرفاهية لكل أفراد الشعب السوداني؟
أعتقد أن أمراض الشخصية عند أهل العلم في العلوم النفسية يمكن أن تجد بعض التفاسير لذلك وسأطرح بعض الإشكالات التي ذكرتها من قبل في مقالات متفرِّقة عن أمراض الشخصية التي تعيق العطاء ويمكن أن تصبح مدمرة لصاحبها ولكل شيء حوله
1- الكراهية وقيم الاستعلاء العرقي.
2- التنافس السالب في النظام التعليمي العام في بلادنا ” الذي يصفق للأول ويزف الطيش”.
3- عدم احترام الوقت واحترام قيمة العمل وقوانين العمل والتحايل عليها.
4- الشعور العام بالدونية أمام العالم الغربي، ومحاولة اجترار تجاربهم على المستوى الشخصي والعام .
5- الطبيعة الآحادية في الرأي والتفكير تقود إلى صناعة ديكتاتور صغير في كل فرد مما يعيق العمل الجماعي واحترام الآخر.
6- السعي للكسب السريع الذي لا يقبل التدرج، مما أدى إلى أن تصبح الوظيفة العامة باب من أبواب المفسدة والرشوة والدخل غير المشروع.
7- ينظر المجتمع إلى المهن الفنية والحرفية وكأنها سُبه مما أدى إلى عزوف الشباب عن التوجه للمهن الحرفية والفنية مما أعاق ذلك تطور المهن الحرفية والفنية وهي أساس التنمية وتأسيس الصناعات وسبب ذلك خللاً في الوظائف لأن أي شخص يريد أن يكون الأعلى “مدير” وظيفة من أقرانه، في تنافس سالب ومدمِّر.
8- الحسد والكراهية موجودة في الشخصية السودانية بنسب متفاوتة يحدها ويحجمها في البعض التعليم وقيم الدين والأخلاق.
9- الأنانية وحب الظهور وإظهار القوة بعدم الالتزام بالقانون ” أكبر من القانون وعنده ضهر” في السودان كمظهر من مظاهر القوة والتفاخر الاجتماعي والسطوة وعدم المسؤولية والاكتراث لمصالح الآخرين.
10- عدم الاهتمام بالنظافة وصحة البيئة وخصوصاً في الممتلكات العامة، وهذا قد أضر بصحة البيئة وأضر جداً باعتدال مزاج الشخصية السودانية، وقاد ذلك إلى تقليل وانعدام الإنتاج.
ما ذكرت ليس القصد منه التقليل من الشخصية السودانية وإنما القصد أن نضع أيدينا على مكامن الخلل، وأعتقد أننا نحتاج إلى ثورة إصلاح اجتماعي أكبر من ثورة ديسمبر لإصلاح الإنسان لأنه هو العامل الأهم والأكبر الذي يجب الاستثمار فيه لتحقيق التطور والتنمية والنهضة الشاملة. وهذه دعوة إلى أهل العلوم الاجتماعية والنفسية وأهل الدين والفلاسفة وقادة المجتمع وطلاب العلم للمساهمة في تحقيق التوعية وابتكار حلول ووسائل تسهم في إيجاد مخارج للخروج من الأزمة وخدمة المجتمع.
ونواصل في الحلول
عبد العزيز يعقوب- فلادليفيا
ayagoub@Gmail.com