اتفاق (العسكري) و(التغيير) بعيون خبراء اقتصاديين
الاستقرار الاقتصادي أهم مطلوبات المرحلة المقبلة
تراجُع كبير في أسعار الدولار بالموازي
ترقّب وحذَر في البيع والشراء بالأسواق
توقعات بإعادة العلاقات المصرفية الخارجية
أجراه: القسم الاقتصادي
معاش الناس وتوفير متطلبات الحياة الكريمة، هي أهم مطلوبات قيام حكومات سياسية عادلة لتكسب ود الشعوب وتضمن استمراريتها، وتمهد لها طريق الحكم مستقبلاً فالفقر والجوع والغلاء حالات في مجتمع أي دولة، فالنتيجة المتوقعة انهيار نظام الحكم كما حدث في السودان، والآن يستقبل الشعب السوداني حقبة جديدة عقب التوصل لاتفاق بين الحرية والتغيير والمجلس العسكري، والتي يأمل الناس فيها العيش بسلام ووئام وتلافي المشكلات والتعقيدات الاقتصادية التي سادت طوال الأعوام الماضية.
وهنا حاولنا تلمس نتائج الاتفاقية في أوساط اقتصادية متعددة لمعرفة تأثيرها على مجريات الاقتصاد وحياة الناس ومعاشهم.
معالجة الإخفاقات
وفي ذات السياق، أظهر الأمين العام للغرف الصناعية د. عباس علي السيد، تفاؤله بالتوصل إلى اتفاق بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير ووصفه بالمجدي الذي يضمن للحركة الاقتصادية الاستقرار ويحقق الامن، وأوضح في حديثه لـ (الصيحة) المكاسب التي تتحقق للقطاع الصناعي على صعيد السياسات التي تكون لها القدرة على حماية مكتسبات البلاد الصناعية ومعالجة الإخفاقات التي حدثت في الفترة الماضية، معرباً عن أمله في إعطاء القطاع الصناعي على وجه الخصوص أولوية حتى يرجع إلى سيرته الأولى.
محاربة السماسرة
ومن جانبه، قال رئيس اللجنة الاقتصادية بجمعية حماية المستهلك، د. حسين القوني، إن الاتفاق تأخر قليلاً، لكن لم يبق إلا التنفيذ، ونأمل أن يتسلم الوزراء الجدد مهامهم في أقصر مدة لأن البلاد تضررت كثيراً من الفراغ الدستوري والإداري، وحدث إحباط كبير للشعب عامة وأثر على الإنتاج العام والإنتاجية، لافتاً أن الاتفاق مثل دفعه معنوية قوية للشعب السوداني الذي كان يتطلع للحرية والديمقراطية واتخاذ القرارات الثورية التي تحقق الطموحات إذا ارتفع الوزراء الجدد لمستوى المسؤولية وطموحات الشعب وحماسهم وحرصهم على تعويض ما فات من إنجازات لصالح المواطن ونتوقع أن تقوم الحكومة الجديدة بعد فرض الأمن والاستقرار في كل أرجاء السودان بحل مشكلة (قفة الملاح) لدى المواطن وهذا يتطلب إجراءات اقتصادية جريئة ومتابعة تنفيذها ومحاربة السماسرة ويمكن عمل جمعيات تعاونية إنتاجية استهلاكية لصالح المستهلكين ويتحقق ذلك عبر إقامة جمعيات تعاونية إنتاجية وعبر أسواق البيع المخفض بشرط أن تشرف عليها المحليات ولجان الأحياء، ونتوقع من الحكومة الجديدة أيضاً خفض الرسوم الحكومية والضرائب والجمارك على السلع المنتجة محلياً والمستوردة بما في ذلك خفض الدولار الجمركي كل هذه الإجراءات من شأنها تخفيض الأسعار داخلياً على أن يتبع ذلك تشديد الرقابة الحكومية على السلع والخدمات والأسواق ويمكن أن يتم ذلك بالتعاون مع جمعية حماية المستهلك، وتوقع القوني أن تقدم الدول الصديقة للسودان مساعدات مالية وتسهيلات مصرفية وقروضاً ومنحاً وإعفاءات، وبالتالي تسهم تلك المساعدات والقروض في خفض أسعار الدولار في السوق الموازي، وهذا ينعكس على تكلفة وأسعار السلع والخدمات في المستقبل القريب وبشريات الاتفاق ستتحقق بإرادة أبناء الشعب السوداني.
تأثير على المدى البعيد
ومن المعلوم أن أسعار السلع خلال الأيام الماضية، شهدت ارتفاعاً جنونياً بالأسواق أرجعه التجار لارتفاع أسعار الدولار، والذي تجاوز الـ70 جنيهاً بجانب انعدام الرقابة من قبل الجهات المختصة، ولم يشهد السوق حالة من التحسن على الرغم من قيام ثورة أطاحت بالنظام السابق توقع معها العديد من المختصين أن يشهد واقع الحال تحسناً إلا أن الواقع كان غير ذلك، قد يتساءل البعض هل توقيع الاتفاقية الأخيرة بين المجلس العسكري وقوى التغيير سيكون لها دور في معالجة الوضع؟ خاصة معاش الناس حيث أضحت سبل المعيشة صعبة للغاية خاصة لذوي الدخل المحدود. وحسب استطلاع للرأي بالنسبة للتجار بالأسواق يشير إلى أن الإصلاح سيكون على المدى البعيد، وهذا ما ذهب إليه التاجر حسب الرسول تاجر جملة بسوق أم درمان، حيث أكد أن السوق خلال الساعات الأخيرة من توقيع الاتفاقية شهد حالة من التوقف بسبب تخوف المواطنين والتجار على السواء من عملية البيع والشراء وتوقع أن يشهد السوق انخفاضاً خلال الأيام القادمة مردفاً (التوقع شيء والواقع شيء آخر)، فالحقيقة لا تظهر بين ليلة وضحاها، وأضاف بالرغم من انخفاض سعر العملة خلال اليوم، إلا إنه لم يكن لها أثر واضح على السوق المحلي الذي يشهد تذبذب في الأسعار وسوف تظهر النتائج بعد تنزيل بنود الاتفاقية وتنفيذها ومن ثم يمكن أن يكون هذا واقع السوق فمن المعلوم (إن السوق لا يمكن أن تفرض نفسك عليه بل هو من يفرض نفسه).
أما التاجر عبد القادر أمام تاجر سلع قال إن توقيع الاتفاقية سيكون لها تأثير واضح على السوق، وذلك بتوقف عملية البيع والشراء وتراجع سريع في أسعار السكر حيث تراوح سعر الجوال الكبير بين 1640إلى 1650 جنيهاً بالشيك بدلاً عن 1680 جنيهاً أما بالكاش فبلغ سعره 1520 جنيهاً وتوقع انخفاض مزيد من أسعار السلع خلال الايام القادمة، مبيناً أن الاتفاقية سيكون وراءها معالجات وذلك بوجود دعم خارجي ما ينعكس على سعر العملة بالتالي على السوق والذي سيشهد انخفاضاً في الأسعار.
توقعات بعيدة المدى
ويعتبر قطاع مواد البناء من القطاعات التي تأثرت سلبًا خلال الأيام الماضية بسبب التدهور الاقتصادي حيث تشهد أسعاره زيادة بصورة مستمرة دون توقف بجانب توقف عمليات الاستيراد من الخارج وتوقف المصانع المحلية مما زاد من اشتعال الأسعار، ولكن بعد توقع الاتفاقية أكد عدد من التجار تحدثوا لـ(الصيحة) أن التأثير سيكون على المدى البعيد، وذلك بتحسن واقع السوق، حيث أوضح التاجر الطيب أحمد من سوق السجانة إن السوق شهد في الوقت الراهن توقف عن عملية البيع والشراء نافياً أن تتراجع الأسعار في الوقت الراهن خاصة وأن عملية التداول في الدولار توقفت تماماً وأن السوق يشهد حالة من الركود، وقال من المؤكد على المدى البعيد قد ينصلح الحال وأن الوضع سيؤول إلى الأفضل بسبب عودة المصانع المتوقفة عن العمل وزيادة حجم الاستيراد من الخارج .
من جانبه قال التاجر النور عريس من سوق السجانة أن الاتفاقية ليس لها أثر واضح، ولكن هنالك توقعات بحدوث غلاء خلال الأيام القادمة مرجعاً الأسباب لعدم وضوح الرؤية إلا أنه أردف في حال تشكيل مجلس وزراء وحكومة جديدة بجانب معالجة آثار الدولة العميقة والتي تتمثل في المضاربات بالأسواق وتأثيرها السلبي بالمؤسسات بوجود رموز من النظام السابق، ونوه لخطورة وجود شركات الأمن باعتبارها شركات قابضة لكافة السلع مما يكون لها أثر كبير على السوق.
الدولار هبوط اضطراري
وجاء الاتفاق السياسي ليعيد الأمل بإمكانية ضبط سعر الصرف والمساهمة في تعافي القطاع المصرفي، حيث أدى الوضع السياسي الضبابي وتأخر الاتفاق على تشكيل حكومة تتولى إدارة فترة انتقالية، لانفلات سعر الصرف وتزايد معاناة البنوك، ولكن بعد الاتفاق ساد التفاؤل بأن يشهد القطاع المصرفي انفراجاً ولو نسبياً وعودة الجهات المختصة لمباشرة دورها في وضع الحلول التي عانت منها عدد من المؤسسات الاقتصادية، ولا سيما البنوك.
وتماشي سعر الصرف إيجاباً مع الاتفاق السياسي الذي تم حيث هبط سعر صرف الدولار في السوق الموازي إلى 60 جنيهاً بدلاً عن 72 جنيهاً، كما تراجع الريال إلى 15 جنيها مقارنة بـ 18 جنيهاً قبل ذلك، وكان أثر الاتفاق السياسي فورياً على سوق الصرف بالسوق الموازي، بانخفاض سعر الدولار بنسبة قاربت 10% وانخفضت أسعار بقية العملات بدرجة أقل، بسبب تخوف التجار من خسائر محتملة حال تمسكهم بالسعر القديم الذي يبدو مرتفعاً.
وقال مصدر بأحد البنوك الحكومية، تحدث لـ “الصيحة” مشترطاً حجب هويته، إن غياب الحكومة طوال الفترة الماضية انعكس سلباً على مجمل القطاعات الاقتصادية ولم تسلم المصارف من تبعات هذا الفراغ، موضحاً أن المشكلات تحتاج لسلطات رقابية تتخذ قرارات تضمن السير في المسار الصحيح، في إشارة لاستمرار أزمة السيولة وعزوف العملاء عن توريد ما لديهم من أموال في حساباتهم طرف البنوك، وتوقع أن يسهم الاتفاق وتكوين الحكومة في تحسن تدريجي لعمل البنوك.
وبحسب حميدان عبد الله، المختص في نشاط سوق الصرف الموازي، فإن حركة البيع والشراء تشهد تبايناً برغم تغير الأسعار بين يوم وليلة، موضحاً في حديث لـ “الصيحة” إن غالبية التجار متحفظين على شراء العملات بالأسعار الحالية عقب الانخفاض عازياً الأمر لخشيتهم من نزول السعر لأكثر من ذلك في مقبل الأيام مما يعرضهم لخسائر، وقال إن المواطنين سارعوا بالتخلص مما لديهم من عملات وبيعها حتى لا يضطرون لبيعها مستقبلاً بسعر أقل حال نزول السعر أكثر مما هو عليه اليوم.
وأدت سياسات حكومية طبقت منذ العام الماضي لإحداث اختلالات مؤثرة على أسعار الصرف منها اتجاه الحكومة لتحرير الجنيه ومساواة السعر الرسمي بالسعر الموازي، بعكس ما كان يحدث فقد كانت تجارة الدولار وتسعيره في السوق الموازي تتم بشكل مقارب للسوق الرسمي للحكومة ممثلة في بنك السودان المركزي، وكان الفارق بين السعرين لا يتجاوز بضعة جنيهات، ولكن مع استمرار وتفاقم مشكلات الوضع الاقتصادي بات من الصعوبة الحصول على تلك العملة عبر المنافذ الرسمية للحكومة، التي عانت بدورها من ندرة في العملات الأجنبية التي يتصدرها الدولار مع عجز بائن في الميزان التجاري، جعل مهمة المعالجة أكثر تعقيداً.
ويقول مختصون إن أحدث الاستقرار في سعر الصرف يتجاوز محض تكوين حكومة فحسب، مشيرين إلى أن الأمر يستلزم خطوات أكثر جدية من الحكومة المرتقب تكوينها خاصة السعي لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، كما أن السودان عليه متأخرات لصندوق النقد الدولي تفوق قيمتها 1.3 مليار دولار، وهي معطيات تجعل من الصعوبة بمكان الحصول على دعم من صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي، كما يعاني القطاع المصرفي المحلي من صعوبة استعادة علاقات المراسلة مع المصارف الأجنبية.
انتظام الاستيراد
نائب رئيس غرفة المستوردين بإتحاد الغرف التجارية د. حسب الرسول محمد أحمد ذكر لـ(الصيحة) أن قطاع المستوردين عانى في الفترة الماضية من مشكلتين أساسيتين متمثلة في تذبذب سعر الصرف التي انعكست على مدخلات الإنتاج إضافة الى مشكلة التحويلات المصرفية الخارجية التي ظلت عالقه لفترة زمنية طويلة فضلاً عن عدم ثبات السياسات العامة للقطاع، وتوقع في الظروف الجديدة إحداث استقرار في سعر الصرف وبداية لانطلاق حوارات بين القطاع الخاص والحكومة لحل المشكلات المتعلقة بالسياسات التمويلية والنقدية، وقال إن الأسواق خلال فترة عدم الاتفاق كانت تمضي في اتجاه الندرة، مشيراً الى انتظام الاستيراد في ظل الحكومة الجديدة بصورة أفضل في حال حدوث استقرار لسعر الصرف ومعالجة الإجراءات المصرفية الخارجية بالرغم من الزيادة التي طرأت على الرسوم الجمركية الجمارك، مشيراً إلى ضرورة ترشيد الاستيراد بغرض ترشيد موارد البلاد وأن يرتكز الاستيراد على السلع الإستراتيجية المهمة، وتوقع أن يتعاظم دور الاستيراد في الفترة القادمة لجهة أن القطاعات الإنتاجية تنطلق باستيراد مدخلات الإنتاج فضلاً على أن القطاع سوف يلعب دوراً مهمة في المرحلة الجديدة في الإسهام في تنمية الاقتصاد، مؤكدا أن القطاع الخاص أول المستفيدين من اتفاق الطرفين لجهة أنه يحتاج الى استقرار سياسي، وأضاف أن القطاع الخاص عانى كثيراً من وجود اسم السودان على قائمة الإرهاب فيما يتعلق بالتحويلات البنكية الخارجية، بجانب تضرره من المقاطعة الاقتصادية الخارجية، واعتبر الاتفاق فرصة لمعالجة مشكلات المقاطعة وإعفاء ديون السودان الخارجية اللتين كانتا عقبة كبيرة جداً للتنمية بالبلاد، إضافة الى حل المشكلات المؤثرة في الاقتصاد الكلي، وتوقع مزيداً من الاستثمارات الخارجية وتشجيع الاستثمار المحلي التي تساعد في توفير الإيرادات من النقد الأجنبي وموازنة موازين الاقتصاد المختلة، مبيناً أن الاتفاق يحمل معه السلام لمناطق البلاد التي عانت من الحرب واستنزفت موارد البلاد خاصة معاش الناس.
زيادة الإنتاج والإنتاجية
وأعلن أمين علاقات العمل بالاتحاد العام لعمال السودان عن ترحيبه بالاتفاقية التي تؤدي إلى زيادة الإنتاج والإنتاجية، بالإضافة لأي تشغيل للمصانع المتوقفة عن العمل بسبب توقف استيراد قطع الغيار، وقال إن الاتفاق يمثل دفعة قوية للاقتصاد الوطني عقب توقف مفاصل الحركة الاقتصادية الفترة الماضية، مبيناً على المدى البعيد تظهر أهم ملامح الاتفاق في التحول الكبير في مرتبات العمال وزيادة أجورهم وحوافزهم لتوفير أوضاع معيشية أفضل.
من جانبه قال رئيس اتحاد عمال شمال دارفور السابق عبد الرحمن التجاني إن الاتفاقية تمثل حجر الأساس لإعادة الحركة التجارية التي توقفت في الولايات وأدت إلى التأثير في الوضع الاقتصادي، مشيراً إلى تأثر قطاع العمال في الفترة السابقة وتشريدهم من مؤسسات الدولة عقب سقوط النظام السابق، والاتفاقية توفر المشتقات النفطية والجازولين للمزارعين الذين واجهتهم مشكلة الجازولين وتعثر الموسم الزراعي.