25 أغسطس 2022م
تشهد بلادنا هِجرة كثيفة للخارج نتيجة لشبه الانهيار الاقتصادي والغموض السياسي والتضخُّم المفرض وتفاقم العجز في الحصول على الضروريات الأساسية وارتفاع مُعدَّلات البطالة وتدني الأجور، ويخسر اقتصاد السودان سنوياً نتيجة لهجرة العقول وسوء الإدارة والآن تتزايد رغبة الغالبية في مغادرة البلاد في وقت يشهد فيه العالم تطورات متسارعة في كافة مجالات الحياة العلمية والأدبية وتستوعب كل ما هو جديد ومبتكر وتطلع نحو الأفضل وتجذب الكفاءات من العقول العلمية، وأصبحت ظاهرة هِجرة العقول العلمية تلفت نظر الساسة والحكام واستفاد من النبوغ الذهني للمهاجرين كأمريكا مثالاً، وعندما تذهب لوكالة “ناسا” تجد كل النوابغ من العالم، ويقال إن مسؤول أنظمة الصواريخ الأمريكية كان طالباً نابغة في الرياضيات وتقطعت به السبل في شوارع القاهرة بعد أن أكمل دراسته في خور طقت واكتشف نبوغه الأمريكان وأخذوه معهم فكان ما هو عليه، ولا يمكن لأي بلد أن يستغنى عن علمائه، وفي السودان الدولة لا تهتم بالعلماء والمبدعين، وكنت استمع إلى تسجيل صوتي للبروفيسور عوض إبراهيم عوض أستاذ الإعلام في الجامعات السودانية سابقاً والسعودية حالياً وخبرة دولية في ماليزيا وأمريكا، وسألت نفسي لماذا فرَّطت الدولة في كل هذا الوهج الإبداعي رجل مخارج حروفه سليمة وعلم وإبداع ومعانقة للميكرفون مسيرة استمرت نصف قرن من الزمان خبرة متراكمة كان يستفيد منها طالب الإعلام في السودان، والشهر الماضي كان في لبنان مشاركاً في أحد المهرجانات، فكان نِعم السفير لوجه السودان المشرق لغة ومنطق وكنت مشاركاً في تغطية فعاليات مهرجان الشباب العربي الأفريقي عام 2008م، في كمبالا بمعية الدكتور عوض إبراهيم عوض، ويوم ذاك كنت أجد صعوبة في التمييز بين My daughter and my sonMy وكان البروف دليلاً للناطقين بغيرها فهو مقدِّم لورقة علمية أذهلت الأفارقة ومن ثم مقدِّم لبرنامج الليلة الأفريقية وقرأ لهم سورة “مريم” كاملة في الجلسة الافتتاحية بصوت جميل أدهشهم في كل شيء حتى الرئيس يوري موسفيني، فهؤلاء هم علماء ومثقفي السودان في كل مكان فإهمال العلماء وهِجرة العقول والأدمغة يدفع ثمنها الجيل القادم، والقوى السياسية تتصارع على الكراسي وتنتصر لأجندتها بعيداً عن هموم الوطن وهِجرة الأدمغة (Brain Drain) من المتخصصين وأصحاب المهارات والموهوبين في ظل الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للحد الذي يلومهم، فالكل يبحث عن بيئة أفضل سياسياً واجتماعياً وأكثر استقراراً وأجزى راتباً وأسهل وصولاً للتكنلوجيا، وبهذه الأسباب شعبنا أصبح يفقد رأس ماله البشري يومياً (Human Capital flight).